بيليتا كلارك

تخيلوا قضاء الأسابيع السبعة الأخيرة من هذا العام في العمل مجاناً. هذا بالفعل ما تقوم به النساء حول العالم مقارنةً بالرجال نظراً لاستمرار فجوات الأجور بين الجنسين. وفي بلد مثل المملكة المتحدة، حيث يقل متوسط أجر المرأة في الساعة بنسبة 13% عن أجر الرجل، يُعادل ذلك قضاء العاملات 48 يوماً في السنة في العمل مجاناً. ويفعلن ذلك لفترة أطول في البلدان التي تعاني من فجوات أكبر بالأجور.

وتنطبق هذه الأرقام في المملكة المتحدة على جميع الوظائف، سواء بدوام كامل أو جزئي، ويُفسر ذلك جزئياً بارتفاع عدد النساء العاملات إما بدوام جزئي أو في قطاعات ذات أجور متدنية، أو كليهما. وتقل الفجوة إلى 7% إذا احتسبنا الوظائف بدوام كامل فقط، لكنها أكبر بكثير بالنسبة للنساء في الخمسينات من العمر، وهي ضخمة جداً في قطاعي التمويل والتأمين.

لكن هذا ليس كل ما في الأمر، فقد أظهرت أبحاث جديدة أن فجوة الأجور في المملكة المتحدة قد تم التقليل من شأنها لمدة 20 عاماً، لأن الإحصاءات الرسمية تعطي وزناً غير مناسب لأصحاب العمل في القطاع العام، الذين عادةً ما تكون فجوات الأجور بين الجنسين لديهم أصغر. يشير هذا إلى أن فجوة الأجور الفعلية أعلى بنحو نقطة مئوية واحدة مما تم تقديمه لنا.

وقد لا يبدو هذا كثيراً ولكنه مهم لأسباب عديدة، إذ لو كان السياسيون والمسؤولون على علم بأن الفجوة أوسع مما تبدو عليه، لكانوا أسرع تحركاً في إطلاق سياسات لسدها، مثل الإبلاغ الإلزامي عن فجوة الأجور أو العمل المرن. كما تُستخدم أرقام الدخل الرسمية لحساب أشياء مثل معدلات الحد الأدنى للأجور الوطنية، لذا من الواضح ضرورة أن تكون دقيقة.

وقد أكدت وكالة الإحصاءات الرسمية في المملكة المتحدة بأنها ستراجع عملها، لكن هذا لن يصلح أحد الجوانب الأكثر إحباطاً لفجوة الأجور بين الجنسين. ويبدو أن الفجوة تبقى قائمة حتى عندما تحدد النساء معدلات أجورهن الخاصة، بدلاً من قبول معدلات صاحب العمل. أظهرت الأبحاث أن متوسط أجر العامل المستقل من بين الذكور في الولايات المتحدة أعلى بنسبة 26 في المائة من العاملات المستقلات. والفجوة أوسع في العمل الحر القانوني، حيث يتقاضى الرجال في المتوسط 145 دولاراً في الساعة والنساء 68 دولاراً فقط. وقد يكون الأمر أسوأ في المملكة المتحدة، حيث أظهرت دراسة أجريت عام 2020 أن الرجال العاملين لحسابهم الخاص يكسبون في المتوسط 43 في المائة أكثر من النساء العاملات لحسابهن الخاص.

رغم ذلك كله، تبدو هذه الأرقام معقولة جداً بالنسبة لي، فما زلت أتذكر الصدمة عندما نظر إليّ أحد أقرب أصدقائي الذكور فجأة مذعوراً وصاح قائلاً: «لقد أدركت للتوّ: إنني لم أحصل على زيادة في الراتب منذ ما يقرب من 12 شهراً!» كان هذا في وقت لم أكن حصلت خلاله على زيادة في الراتب لمدة ثلاث سنوات على الأقل. ولم يخطر ببالي أبداً أن أفعل ما فعله صديقي: اندفع إلى مكتب رئيسه وطالبه بمزيد من المال، وقد حصل عليه في الموعد المحدد. ولا تزال فكرة أن جزءاً كبيراً من فجوة الأجور يُفسر بفشل النساء في التفاوض بنفس كفاءة الرجال سائدة بعد أكثر من عقد من نشر المديرة التنفيذية السابقة لشركة ميتا، شيريل ساندبرج، لها في كتابها «تقدمي». حتى إن بعض الشركات، مثل ريديت، حاولت إنهاء مفاوضات الرواتب للموظفين الجدد لمعالجة المشكلة.

لكن من الواضح أن النساء لسن هن المسؤولات الرئيسيات عن سوء حظهن، فأحد أسباب فجوة الأجور هو تفوق الرجال في الحصول على المناصب العليا. وتُظهر الأبحاث أن ثقتهم المفرطة نسبياً بأنفسهم تُفسر ما يصل إلى 11% من هذه الفجوة بين الجنسين. وهناك من يقول إن السبب الرئيسي لمأزق فجوة الأجور بين الجنسين هو أن النساء يُحجمن عن العمل.

ولا تزال التفسيرات الأكثر إقناعاً هي تلك المعروفة منذ سنوات، والتي لا تزال صعبة المعالجة: نقص رعاية الأطفال الكافية.. سياسات إجازة الوالدين التي تُصعّب على الرجال القيام بتربية الأطفال بقدر ما تفعل النساء.. عدم وجود ترتيبات عمل مرنة. وما إلى ذلك. الأسوأ هو معضلة عقوبة الأمومة ومكافأة الأبوة غير العادلة بشكل مضاعف، حيث يعتبر أصحاب العمل الأمهات عاملات أقل التزاماً، ويدفعون لهن أجوراً أقل وفقاً لذلك، بينما يعتبرون الآباء أكثر تفانياً، وبالتالي يستحقون أموالاً أكثر من الرجال الذين ليس لديهم أطفال. بمعنى آخر، قد يكون إنجاب الأطفال مربحاً إذا كنت ذكراً، ومكلفاً إذا كنت أنثى. الخبر السار هو أن فجوة الأجور تبقى قابلة للمعالجة. وقد تقلصت في بعض الدول مثل التي تسعى جاهدة لمعالجتها. أما الخبر غير السار فهو أن المشكلة، حتى الآن، تظل أسوأ مما كنا نتصور لسنوات طويلة.