جيليان تيت
عندما يرغب سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، في توجيه رسالة ما إلى الأسواق، فإنه عادة ما يلجأ إلى برنامج تلفزيوني اقتصادي أو منتدى إعلامي. ومن هنا جاء ظهوره على قناة فوكس التلفزيونية منذ أيام، حيث حث الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه بعد أيام.
المشكلة أن بيسنت غامر أيضاً بخوض غمار نقاشات حادة بشكل غير متوقع، فخلال الأسبوع الماضي، نشرت مجلة متخصصة تدعى «الاقتصاد الدولي» مقالاً طويلاً كتبه ربيع هذا العام، لخص فيه انتقاده للاحتياطي الفيدرالي. (كما نشر أيضاً ملخص موجز في صحيفة وول ستريت جورنال). وهذا أمر مثير للدهشة، خصوصاً أن الرئيس دونالد ترامب، قبيل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقبل، لم يطالب فقط بخفض أسعار الفائدة، بل طالب أيضاً بطرد ليزا كوك، عضوة مجلس الإدارة، بتهمة الاحتيال المزعوم. ويزداد الأمر سوءاً، لأن جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يناضل من أجل حماية استقلالية المؤسسة، وقد أوقفت المحكمة جهوداً لإقالة كوك، لكن اللافت للنظر في هجوم بيسنت اللاذع هو أنه لا يركز على أسعار الفائدة إطلاقاً، بل ينتقد الاحتياطي الفيدرالي لتشويشه مهمته الرئيسية، وانخراطه في السياسة المالية وتطبيقه التيسير الكمي.
لقد انتقد بيسنت انتقاداً لاذعاً بشكل خاص التيسير الكمي، والذي يعتقد أن له أسساً نظرية غير مؤكدة وعواقب اقتصادية إشكالية، لأنه يشوه الأسواق ويزيد من عدم المساواة في الدخل (عن طريق تضخيم أصول الأثرياء). وبالتالي، فهو يريد من الاحتياطي الفيدرالي اعتماد «تفويض ضيق»، دون شراء الأصول، «لتحقيق نتائج اقتصادية أفضل وحماية استقلال البنك المركزي». ويؤكد أن هذا الاستقلال «أساسي للنجاح الاقتصادي للولايات المتحدة».
وبيسنت ليس وحده من يخرج بمثل هذه الآراء. فقد ألقى كيفن وارش، أحد أبرز المرشحين كرئيس قادم للاحتياطي الفيدرالي، برسالة مماثلة في خطاب قوي في نهاية أبريل. وكذلك فعل ستيفن ميران، مستشار البيت الأبيض الذي ينضم (بشكل مثير للجدل) إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في مقال شارك في تأليفه. كما أشار كيفن هاسيت، مستشار آخر في البيت الأبيض ومرشح بارز لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي، إلى معارضته للتيسير الكمي، وذلك في رسالة مفتوحة منذ سنوات عدة. لذلك هناك ما يشبه المؤامرة من جانب المحيطين بترامب تريد من الاحتياطي الفيدرالي تضييق نطاق مهمته.
بعبارة أخرى، فإن الإلحاح الذي لا ينتهي بشأن خفض أسعار الفائدة ليس سوى جزء من حكاية أكبر. وماذا يجب أن نستنتج من كل هذا؟ إنني في الواقع أتعاطف مع بعض الانتقادات، ففي حين أن التيسير الكمي كان منطقياً خلال الأزمة المالية عام 2008 (وبداية الجائحة في عام 2020)، إلا أن الإفراط في استخدامه لاحقاً شوه الأسواق المالية وكان له تأثير اقتصادي مختلط.
علاوة على ذلك، فإن الدعوة إلى مراجعة التنظيم المالي ودور الاحتياطي الفيدرالي فيه ليست جنوناً، نظراً لأن الإطار الحالي مجزأ بشكل جنوني. لكني أكره فكرة محاولة البيت الأبيض السيطرة على التنظيم المالي. كما أكره هجمات ترامب الانتقامية على باول وأخشى أن هجوم الرئيس على استقلال الاحتياطي الفيدرالي يدمر المصداقية النقدية.
وهناك اعتراضات أخرى على بيسنت، فعلى سبيل المثال، يعترض الخبير الاقتصادي بول كروغمان بقوة، وهو من أشد المؤيدين للتيسير الكمي، على استخدام وزير الخزانة لما يسمى تشبيه كوفيد بـ«الكسب الوظيفي» لتأطير حججه، إذ يرتبط هذا التشبيه بنظريات المؤامرة التي تسيطر على الكثيرين في قاعدة «ماغا». وعلى أية حال، ومع اشتداد التشهير النقدي، هناك أربعة أسئلة على الأقل يجب على المستثمرين التفكير فيها:
أولها: هو ما إذا كان إيمان بيسنت وهاسيت ووارش وميران المعلن باستقلال الاحتياطي الفيدرالي سيصمد أمام هجمات ترامب المتتالية. ثانيها: ما إذا كان بيسنت قادراً حقاً على وقف أو تقليل مشتريات الأصول، نظراً لأن الاحتياطي الفيدرالي كان مشترياً كبيراً لسندات الخزانة - وستكون هناك حاجة إلى المزيد من المشترين في المستقبل. وكلما زاد عجز الولايات المتحدة، زاد الضغط من أجل الهيمنة المالية (إدارة السياسة النقدية لإدارة الدين). وفي الواقع، فإن هذا موجود بالفعل، فقد برر ترامب أخيراً دعوته لخفض أسعار الفائدة بمقدار 3 نقاط مئوية بالإشارة إلى أن هذا من شأنه «توفير تريليون دولار سنوياً» من مدفوعات الفائدة.
ثالثها: كيف يمكن أن تتوافق آراء بيسنت بشأن مشتريات الأصول مع أسعار الفائدة؟ وإذا خلف وارش، على سبيل المثال، باول، فهل سيخفض أسعار الفائدة قليلاً لإرضاء ترامب، وفي الوقت نفسه يقلص الميزانية العمومية لإرضاء غرائزه المتشددة؟ يبدو هذا مرجحاً جداً.
وأخيراً، يتعلق الأمر بالتأثير على البنوك المركزية الأخرى، فليس الاحتياطي الفيدرالي وحده الذي يواجه تساؤلات حول مزاعم تضخم الميزانية وتوسعها - فعلى سبيل المثال، تتفاقم أزمة الديون حالياً في البنك المركزي النيوزيلندي.
مع ذلك كله، لا تتوقعوا أن تبرز هذه القضايا الأربع في الاجتماع المقبل للاحتياطي الفيدرالي، إذ سيهيمن عليه نقاش أسعار الفائدة. وتوقعي الشخصي هو أن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة قليلاً، ثم سيبقى ثابتاً لفترة، لمراقبة تأثير الرسوم الجمركية على التضخم (أو عدم تأثيرها) - لا سيما في ضوء أنباء ارتفاع الأسعار يوم الخميس.
النقطة الأساسية هي أن هذه الأزمات المتعلقة بأسعار الفائدة ليست هي القضية الوحيدة المطروحة، فالمعركة على الميزانية العمومية ومهمة الاحتياطي الفيدرالي مهمة أيضاً. وإذا استمر تفاقم الدين، فستزداد هذه المعركة حدة. لذلك، استعدوا، فالمعركة الكبرى الحقيقية حول بنك الاحتياطي الفيدرالي لم تبدأ بعد.
