مجلس التحرير
يقدم انهيار «بايجو» دروساً للشركات ذات النمو السريع والمستثمرين الطموحين
سقطت «بايجو» شركة هندية لتكنولوجيا التعليم، من القمة إلى القاع خلال عامين فقط، فبعد طفرة التقنية التي تسببت فيها الجائحة العالمية، أصبحت شركة التعليم عبر الإنترنت، التي أسسها بايجو رافيندران، أكثر الشركات الناشئة من حيث القيمة في الهند عام 2022، بنحو 22 مليار دولار.
وضمت قائمة داعمي الشركة «بلاك روك» ومارك زوكربيرج، مؤسس «فيسبوك»، وحتى الذراع الاستثمارية للبنك الدولي. كما رعت «بايجو» بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، وفريق الكريكت الهندي الشهير. لكن رافيندران قال الأسبوع الماضي إن قيمة شركته أصبحت «تساوي صفر». فما الذي حدث؟
مع ارتفاع أسعار الفائدة بعد الجائحة، جفت الأموال الرخيصة، وأدى ذلك إلى كشف حرق الأموال الذي قامت به شركة «بايجو»، بما في ذلك الإنفاق على العديد من حملات التسويق.
وهوت قيمة الشركة، واضطر المستثمرون إلى شطب حصصهم البالغة مئات الملايين من الدولارات. كما سلطت العديد من المعارك القضائية الضوء على مشكلات الحوكمة داخل الشركة، بما في ذلك قضية رفعها دائنون في ولاية ديلاوير لمعرفة مكان نصف قرض بقيمة 1.2 مليار دولار.
وكشف تأخر تقديم الحسابات تضاعف خسائر «بايجو» تقريباً إلى نحو مليار دولار في العام المنتهي في مارس 2022.
وكافح شقيق رافيندران، المدير الوحيد السابق لشركة «ألفا» التابعة لشركة بايجو، التي تم إنشاؤها لتلقي القروض، لشرح مكان وجود جزء من قرض الدائنين. وقال قاضي الإفلاس الأمريكي في جلسة استماع في وقت سابق من العام إن «شهادته تفتقر إلى المصداقية».
وكشفت نتائج تحقيقات منفصلة عن مسار لتسرب الأموال من خلال شركات مختلفة. وينفي الشقيقان مزاعم ارتكاب مخالفات.
على أي حال، من الواضح أنها كانت شركة سيئة الإدارة. وقد اعترف رافيندران بأخطائه في إساءة اختيار التوقيت والمبالغة في تقدير آفاق نمو الشركة. لكن، ماذا يخبرنا انهيار الشركة عن داعميها البارزين من ذوي رؤوس الأموال المغامرة؟ فقد استثمر الداعمون أكثر من 5 مليارات دولار في شركة لم يكن لديها مدير مالي طيلة ستة عشر شهراً.
يتسم أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، بطبيعة الحال، بالحماسة، نتيجة لذلك، يمكنهم في بعض الأحيان «حشو» الشركات المثيرة بأموال زائدة، والضغط عليها لتتوسع سريعاً، حتى تصاب عملياتها بالاختناق، ما يؤدي بهم إلى القفز من السفينة.
يصف محللون هذا السلوك بأنه عملية «تسمين» يقوم بها أصحاب رؤوس الأموال المغامرة. ويدعي رافيندران أن المستثمرين تصرفوا بهذه الطريقة مع شركة «بايجو».
لكنها ليست المرة الأولى. يبدو أن الممولين أظهروا حماسة مماثلة تجاه شركة «وي وورك» لتوفير مساحات العمل المشتركة، التي تقدمت بطلب إفلاس في الولايات المتحدة العام الماضي، وكذلك تجاه منصة «إف تي إكس» لتداول الأصول المشفرة التي انهارت عام 2022.
وعادة ما يبدأ الأمر بإيمان ساذج بشخص المؤسس. واجتذبت رافيندران الداعمين بخلفيته كعبقري في الرياضيات يتمتع بشخصية كاريزمية، وكذلك اجتذبهم سام بانكمان-فرايد المتخرج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمسجون حاليا.
وكانت «فايننشال تايمز» من المعجبين بالمؤسس أيضاً، وأثنت على بايجو في حفل جوائز «بولدنس إن بيزنس». لكن عادة ما يصحب التبجيل تركيزاً غير كاف على نموذج الأعمال. لقد تشتت انتباه «بايجو» عن منتجها الرقمي الأساسي وهو التعليم عن بعد. كما تغاضى داعمو منصة «إف تي إكس» عن إشارات تحذير حمراء في النواحي المحاسبية، واتضح في نهاية المطاف أن تأجير «وي وورك» للعقارات على المدى الطويل كان غير مستدام.
ثم يأتي الآن دور الدفع إلى التوسع، فقد تمكن رافيندران من الحصول على تمويل بمليارات الدولارات، واستحوذ على شركات عدة، وقال إن المستثمرين حثوه على التوسع، لكن النمو السريع أدى لإجهاد الميزانية العامة لشركة «وي وورك» أيضاً.
وبغض النظر عما إذا كان رافيندران تعرض لضغوط مفرطة من المستثمرين، كان على مجلس إدارة الشركة ممارسة الضبط والتوازن. وفي حالة «بايجو»، كان لدى كثير من الممولين مقاعد في مجلس الإدارة، لكن يبدو أنهم لم يفعلوا شيئاً يذكر. كذلك أدى غياب رقابة المستثمرين على «وي وورك» و«إف تي إكس» إلى تفاقم المشكلات.
إساءة الحكم على إمكانات الشركة جزء من عالم رأس المال المغامر. ويمكن للقصص المبهجة أن تساعد في دفع شركة مبتكرة نحو الانطلاق وسلوك مسار ناجح، لكن الخوف من تفويت الفرصة لا يعفي من بذل العناية الواجبة والحوكمة الجيدة للمؤسسات.
ربما تكون الاستراتيجية الأفضل للشركات الناشئة والمستثمرين الطموحين، خاصة في الهند، مع نضج بيئة رأس المال المغامر لديها، أن يتم التوسع ببطء؛ ضماناً لأن يكون النمو مستنداً إلى أسس راسخة. وفي النهاية، تحتاج المشروعات الطموحة إلى منصات إطلاق قوية.
