باربرا موينس

كان من المفترض أن يشكل الاتفاق التجاري الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر يوليو، جزءاً من مقايضة أكبر، تستهدف في النهاية صالح الأعمال في أوروبا. وبعد توجيه انتقادات إليها بأنها رضخت للتنمر، دافعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن الصفقة.

مؤكدة أنها تمنح «اليقين اللازم في أوقات يسودها عدم اليقين»، وتتيح للشركات «القدرة على التنبؤ» بدرجة أكبر.. وفي هذه المرحلة العصيبة، يكون ذلك ضرورياً، لتمكين شركاتنا من التخطيط والاستثمار.

لكن الأمر لم يسِر على هذا النحو تماماً، كما كانت الحال مع جزء آخر من الصفقة، وهو استمرار التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا في أوكرانيا. ومثلما تظل التساؤلات حول التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوكرانيا قائمة، لا يزال عدم اليقين يخيم على عالم الأعمال.

وقد تقدم الاتحاد الأوروبي بمقترحات لتنفيذ الصفقة، إلا أن أمريكا كانت بطيئة، لذا تشعر بروكسل بقدر من نفاد الصبر. إضافة إلى ذلك، يواصل ترامب طرح مفاجآت سياسية، تظل تقلب الأمور في عالم التجارة. ولننظر إلى صناعة الأدوية، على سبيل المثال.

فمن الناحية النظرية، يوفر الاتفاق عبر الأطلسي وضوحاً حول الحد الأقصى للتعريفات الجمركية على الأدوية الأوروبية عند 15 %، لكن ترامب أعلن مجموعة تدابير تهدف إلى خفض اعتماد أمريكا على شركات الأدوية الأجنبية، لخفض الأسعار التي يدفعها المستهلكون الأمريكيون، وهو ما يترك قطاع الأدوية الأوروبي في حالة ترقب دائم، لما سيأتي لاحقاً.

وبشكل عام، يحجم بعض الرؤساء التنفيذيين الأوروبيين ومستشاريهم عن إعلان استثمارات محتملة، وعمليات استحواذ، حتى يتوفر مزيد من الاستقرار والوضوح في المشهد الاقتصادي، لكن البعض يرى أن الأمر أشبه ما يكون بانتظار إلى الأبد. وأخبرني أحد المحامين الذين يقدمون استشاراتهم في صفقات الشركات:

«ما زال هناك الكثير من عدم اليقين أمام الشركات». وأخبرني محامٍ آخر بأن المسؤولين التنفيذيين ما زالوا «يحبسون أنفاسهم»، في انتظار ما إذا كان الاتفاق التجاري سيفضي إلى مزيد من الاستقرار عبر الأطلسي.

وإحدى العقبات الكبيرة أمام استقرار العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الموضوع المتعلق بتنظيم عمل شركات التكنولوجيا الكبيرة.

فبعد أيام من إعلان بروكسل وواشنطن تفاصيل الاتفاق التجاري، هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية، وقيود على صادرات البلاد التي تفرض ضرائب، أو قواعد، أو قوانين، على شركات التكنولوجيا، باعتبارها «تمييزاً» ضد الشركات الأمريكية.

وكانت بروكسل فخورة بمقاومتها الضغوط الأمريكية للانصياع في ما يتعلق بتغيير قانونها البارز للتنظيم الرقمي، ودفعت بحجة مفادها أنه حق سيادي للتكتل أن يفرض قواعد على الشركات العاملة في سوقه الموحدة، وأوضحت أن قانون الخدمات الرقمية البارز، ليس قابلاً للتفاوض، لكن المسؤولين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الأمريكية، كانوا يعتمدون على البيت الأبيض، منذ عودة ترامب إلى الحكم، لممارسة ضغوط ضد ما يعتبرونه قواعد أوروبية عدائية.

وقد أوضح ترامب في تهديداته الرقمية، وفي تفاعله مع أبرز مسؤولي وادي السيليكون، أن إبرام صفقة غامضة، لن يخفف وطأة الضغوط الأمريكية على التكتل، في ما يتعلق بالقواعد التنظيمية التكنولوجية.

رسمياً، ستمضي بروكسل قدماً بكامل طاقتها نحو إنفاذ قانون الخدمات الرقمية. ومن المقرر أن تتخذ قراراً بشأن مجموعة واسعة من التحقيقات في كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية، بما في ذلك «إكس» التابعة لإيلون ماسك، و«أبل»، و«ميتا» المالكة لـ «فيسبوك».

وقالت تيريزا ريبيرا المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة، إن أوروبا ينبغي عليها «عدم الإذعان لمصالح الآخرين»، وأن بروكسل يجب أن تكون مستعدة للانسحاب من الاتفاق التجاري، إذا نفذ ترامب تهديداته.

من جانبها، انطوت استراتيجية فون دير لاين في الغالب على استرضاء ترامب، بدلاً من استفزازه. ويدعم أغلب القادة الأوروبيين هذا النهج، خاصة عند الوضع في الاعتبار، مدى اعتماد أوكرانيا على الولايات المتحدة في عملياتها العسكرية.

وينظر مسؤولون أوروبيون إلى تصريحات ريبيرا على أنها مناشدات إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، لا سياسة أوروبية حقيقية.

لقد بدت المعضلة الداخلية التي تواجه أوروبا جلية بشكل مؤلم، عندما تم تأجيل إعلان مخطط له من جانب ريبيرا، بفرض غرامة احتكار ضد «جوجل» مدة سبعة أيام، بعد تدخّل من جانب المفوض التجاري للتكتل، ماروس سيفكوفيتش. كان ذلك إشارة إضافية إلى صعوبة أن تنعم الشركات بالاستقرار واليقين، في عالم ينضح بالاضطرابات الجيوسياسية.