ستترك مشاهد العمال المقيدين بالأصفاد عند الكاحل والمعصم والخصر، خلال المداهمات التي نفذتها هيئة الهجرة والجمارك الأمريكية منذ أيام، أثراً مروعاً لدى الشركات الأجنبية التي تمارس نشاطاً في الولايات المتحدة أو تخطط للاستثمار فيها.

فقد تم توقيف 475 عاملاً، معظمهم من الكوريين الجنوبيين، في موقع إنشاء مصنع للبطاريات تابع لشركتي «هيونداي» و«إل جي» في ولاية جورجيا، في عملية استخدمت خلالها المروحيات والمركبات المصفحة والعناصر المدججة بالسلاح.

لقد بدا المشهد وكأنه صمم خصيصاً لإرسال رسالة إلى القاعدة الشعبية للرئيس دونالد ترامب، ولترهيب الشركات الدولية ودفعها إلى الالتزام الصارم بقوانين التأشيرات الأمريكية، غير أن هذه المشاهد قد تنعكس سلباً على خطط ترامب لإنعاش قطاع التصنيع في البلاد.

والمشكلة أن المخالفات المزعومة في موقع «هيونداي» و«إل جي» لا تزال غير واضحة. ويؤكد محامو قضايا الهجرة أن العديد من المعتقلين دخلوا البلاد بتأشيرات «بي-1» المخصصة للزيارات التجارية، والتي لا تسمح لحاملها بالعمل مقابل أجر، أو عبر نظام الإعفاء «إيستا» الذي يتيح زيارات قصيرة لأغراض محددة.

وأوضح مسؤولون تنفيذيون في سيول ومجموعات صناعية لصحيفة «فاينانشال تايمز» أنه في ظل صعوبة الحصول على تأشيرات عمالية قصيرة الأجل، كان «سراً مكشوفاً» أن تستخدم الشركات الكورية الجنوبية ومقاولوها الفرعيون بشكل روتيني أنواعاً أخرى من التأشيرات للعمال الذين يتم إرسالهم لبناء مواقع التصنيع المتقدمة في الولايات المتحدة.

ومن الطبيعي أن تلتزم الشركات الأجنبية بقوانين التأشيرات الأمريكية، وأن تعمل السلطات على تطبيقها، لكن حتى لو استهدفت مداهمات جورجيا الأخيرة عمالاً يعملون بشكل غير قانوني فعلاً، فإن الطريقة التي نفذت بها ستلحق ضرراً أكبر من النفع بخطط ترامب لإطلاق شرارة نهضة صناعية.

وقد انخفض عدد العمال الأجانب العاملين في أمريكا منذ مارس بنحو 1.4 مليون شخص، في ظل خطط الرئيس الأوسع للترحيل الجماعي. وبعد موجة الاعتقالات الأخيرة، أوقفت شركات متعددة الجنسيات، لديها موظفون أجانب، بعض رحلاتها إلى الولايات المتحدة، كما لجأت إلى طلب استشارات قانونية خشية أن تكون الهدف التالي لإدارة الهجرة والجمارك.

ومع اتساع نطاق المداهمات في أنحاء البلاد دون تمييز واضح بين من يعبرون الحدود بلا أوراق رسمية ومن يستخدمون تأشيرات غير ملائمة، سيصبح العمال الأجانب أكثر عزوفاً عن المجيء إلى أمريكا من الأساس، بينما سيعيد المستثمرون النظر في خططهم.

ويعاني قطاعا التصنيع والبناء في الولايات المتحدة من نقص حاد في اليد العاملة. فعدد قليل من العمال الأمريكيين يرغبون في أداء المهام اليدوية في مواقع الإنشاء، فضلاً عن افتقار كثيرين للمهارات والخبرات المطلوبة في القطاعات المتقدمة اليوم مثل صناعة أشباه الموصلات والبطاريات.

ولهذا السبب غالباً ما تلجأ الشركات العالمية، التي ضغط عليها ترامب للتوسع داخل أمريكا، إلى جلب كوادرها من بلدانها الأم. ويمكن للإدارة أن تعمل على تدريب العمال المحليين، لكن ذلك يحتاج إلى وقت أطول، كما أن هذا قد يتطلب الاستعانة ببعض الأجانب لتولي مهمة تدريب العمالة المحلية. رغم ذلك، لن يكون هذا كافياً بالنظر إلى حجم الطموحات الصناعية لدونالد ترامب.

المقاربة الأفضل تكمن في التعاون مع الشركات لضمان التزام العاملين بالقوانين، بما في ذلك إزالة الغموض عن أنظمة التأشيرات، وتسريع إجراءات الموافقة والتجديد، وتطوير سبل قانونية أوسع تتيح دخول العمالة الأجنبية اللازمة وإقامتها في البلاد.

وتشير بيانات «معهد إدارة التوريد» إلى أن النشاط الاقتصادي في قطاع التصنيع الأمريكي انكمش في أغسطس للشهر السادس على التوالي، نتيجة ارتفاع تكاليف المدخلات بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس. ومع تزايد الضغوط على سوق العمل، قد تتفاقم الأضرار.

إن دونالد ترامب يريد أن تنتشر المصانع في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وأن يستخدم سلاح الرسوم الجمركية للضغط على الشركات الدولية لبنائها. وفي الوقت نفسه يريد تقليص الاعتماد على العمال الأجانب وتوفير مزيد من الوظائف للأمريكيين. ومن الصعب كثيراً أن يتمكن من تحقيق كل هذه الأهداف معاً.