جون ثورنيل

يمكن لكل من يقرأ هذا المقال أن يهنئ نفسه على قدراته المذهلة وحظه السعيد، فأنت مالك محظوظ لأروع آلة معالجة في الكون المعاصر: دماغك، إذ تشكل شبكة البرمجيات الرطبة، التي تزن 1.3 كيلوغرام، داخل جمجمتك الشبكة العصبية الأصلية، والتي تعد بكل المقاييس أكثر كفاءة بكثير من الشبكات الحاسوبية وفي حين تستهلك مراكز البيانات العملاقة اليوم كميات هائلة من الكهرباء، يعمل دماغك بـ20 واط فقط من الطاقة يومياً، والتي يمكنك توليدها من خلال تناول شطيرة برجر بالجبن.

وحتى الدماغ الذي يتغذى على الوجبات السريعة قادر بديهياً على القيام بأشياء يجدها أفضل نموذج للذكاء الاصطناعي صعبة، مثل ابتكار مشاريع إبداعية تحويلية؛ والتمييز بين كيس بلاستيكي وصخرة على طريق سريع. ولكن من نواحٍ عديدة، لا يزال علماء الأعصاب في حيرة من أمرهم بشأن كيفية عمل هذه الشبكة المكونة من 86 مليار خلية عصبية.

وتفتح التطورات الحديثة في الاستشعار الكمي والذكاء الاصطناعي آفاقاً بحثية جديدة واعدة. ومع ذلك، وكما هي الحال غالباً، فإن الإمكانات الإيجابية لهذه التقنية تصاحبها مخاوف من تطبيقات سلبية محتملة.

ويعد تخطيط الدماغ المغناطيسي (MEG) من أكثر تقنيات مسح الدماغ إثارة للاهتمام، وهو طريقة غير جراحية لرسم خريطة النشاط الإلكتروني للدماغ، إلا أن هذه المنهجية معقدة نظراً للحاجة إلى تبريد أجهزة الاستشعار فائقة التوصيل إلى درجة حرارة -269 درجة مئوية.

وقد مكن التطور الحديث لأجهزة قياس المغناطيسية المضخوخة بصرياً (OPMs)، التي لا تتطلب مثل هذا التبريد الشديد، مكّن الباحثين من جمع بيانات مماثلة في 30 دقيقة عن طريق خوذة للارتداء على الرأس تحتوي على 64 جهاز استشعار.

وباستخدام هذه الماسحات يمكن لعلماء الأعصاب إنشاء «بصمات عصبية» فريدة لدماغ الفرد.

ويقارن الباحثون الفرق بين أجهزة مسح الدماغ التقليدية وهذه الأجهزة شديدة التطور بالفرق بين النظر إلى النجوم من خلال المنظار وعبر تلسكوب جيمس ويب الفضائي.

ويقول مات بروكس، أستاذ الفيزياء بجامعة نوتنغهام ورئيس شركة سيركا ماجنتكس، وهي شركة ناشئة رائدة في تطوير هذه الخوذات الحديثة، إن أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) الشائعة الاستخدام اليوم تجيد اكتشاف أن التشوهات الهيكلية في الدماغ، مثل «ثقب أو كتلة أو نتوء» قد يكون ورماً، لكن أجهزة الـOPM-MEG قادرة على اكتشاف التشوهات الوظيفية، مثل الفصام والصرع والخرف.

ويضيف بروكس: «ستوفر لنا البصمات العصبية كمية هائلة من البيانات التي ستكون مفيدة للغاية لنا».

وتستخدم أكثر من 10 جامعات بحثية في أوروبا وأمريكا الشمالية تقنية Cerca الجديدة بالفعل، وتسعى الشركة للحصول على موافقة تنظيمية من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لتسجيل خوذاتها كأجهزة طبية، لكن عملية الموافقة قد تستغرق عدة سنوات، والهدف هو إنشاء مجموعات بيانات ضخمة للنشاط العصبي لتعميق فهمنا لاضطرابات الدماغ وتحسين الرعاية الطبية.

ويقترح بروكس أنه في المستقبل، يمكن أن يتم فحص المرضى بشكل روتيني للكشف عن العلامات المبكرة للخرف بنفس الطريقة التي تُفحص بها النساء بانتظام للكشف عن سرطان الثدي.

لكن بروكس قلق أيضاً من إمكانية أن تؤدي البصمة العصبية إلى سيناريوهات سلبية شبيهة بأفلام الخيال العلمي، ويتوقع أننا قد نتمكن قريباً من تحديد نوع التربية التي تلقاها الطفل من خلال فحص وظائف دماغه.

ويشير إلى أن أدمغة الأطفال من العائلات المتميزة الذين استفادوا من المحفزات التجريبية ستتطور بطرق مختلفة عن أدمغة الأطفال ذوي الخلفيات أكثر حرماناً.

ويقول: «يمكنك أن تتخيل كيف يمكن أن يكون ذلك مفيداً للغاية، لكن يمكنك أيضاً أن تتخيل كيف يمكن إساءة استخدام ذلك تماماً».

وأظهر بحث منفصل أجراه علماء في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، كيف يمكن لواجهة دماغ حاسوبية قابلة للارتداء وغير جراحية أن تساعد المرضى المصابين بالشلل من خلال قراءة إشارات الدماغ لتحريك ذراع آلية أو مؤشر حاسوب.

وباستخدام تقنية مختلفة، تُعرف باسم تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، قام فريق جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، بتمكين المرضى من ترجمة أفكارهم إلى حركة، بمساعدة مساعد ذكاء اصطناعي.

ويعمل العديد من الشركات الخاصة، بما في ذلك شركة «نيورالينك» التابعة لإيلون ماسك، على تطوير تقنية واجهة الدماغ الحاسوبية (BCI) الجراحية عن طريق زرع أقطاب كهربائية في الجمجمة.

وخلال الشهر الماضي أطلق سام ألتمان، منافس ماسك والرئيس التنفيذي لشركة «أوبن أيه آي»، مشروعاً جديداً يسمى «ميرج لابس» لمنافسة «نيورالينك».

وأكدت الصين من جانبها النية لأن تصبح رائدة عالمية في تقنية واجهة الدماغ الحاسوبية (BCI) في غضون 5 سنوات.

إن قراءة الأفكار قد ينظر إليها على أنها ضرب من الخيال العلمي، لكن قد يُقترب بشكل بدائي للغاية منها بوتيرة أسرع كثيراً مما نعتقد.

ويتم التعامل مع فحوصات الدماغ، بحق، كبيانات طبية سرية تخضع لمعايير عالية لحماية البيانات، لكن من المتوقع أن تكتسب الحركة الدولية الناشئة التي تسعى إلى الحفاظ على حريتنا المعرفية زخماً كبيراً.