ويمثل المأزق الذي تجد فيه بوغوتا نفسها، انعكاساً لتحدٍ أوسع يواجه الدول الأعضاء في مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي «سيلاك»، البالغ عددها 33 دولة، ألا وهو كيفية تنويع تجارتها واستثماراتها، دون استعداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتستضيف بكين ملتقى وزارياً مع مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي «سيلاك». ويتولى بيترو الرئاسة الدورية للمجموعة هذا العام.
ولطالما كانت كولومبيا واحدة من أهم حلفاء واشنطن في أمريكا اللاتينية، لذا، فإن مثل هذا التحرك من جانب بوغوتا للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، سيكون مكسباً مهماً ببكين، بينما تثير تصريحات بيترو تحذيرات من واشنطن.
وبالنسبة للشركات الكولومبية، التي تعتمد على الولايات المتحدة في صادراتها، بما في ذلك القهوة والورود، فقد فسّرت تعليقات المبعوث الأمريكي على أنها تضمر تهديداً من الولايات المتحدة لكولومبيا، لتفضيلها التقرب من أكبر منافسي الولايات المتحدة. ومن جانبهم، أجرى مستشارون لبيترو تحركات في محاولة لإقناع الرئيس بإرجاء الإعلان عن انضمام البلاد إلى مبادرة الحزام والطريق.
وقال كوي شوغون، الخبير في العلاقات مع أمريكا اللاتينية لدى جامعة رينمين في بكين، إن الصين والمنطقة، يتعيّن عليهم استغلال اجتماع «سيلاك» «لإظهار التزامهم» بالمضي قدماً نحو التعاون، على الرغم من الحرب التجارية التي يشنها ترامب.
وتابع: «تُعد أمريكا اللاتينية شريكاً تجارياً مهماً للغاية، باعتبارها قارة»، موضحاً: «قد تتخطى التجارة البينية مع الصين هذا العام حاجز 500 مليار دولار».
ويتمثّل مبلغ الخوف بالنسبة للصين، في أن واشنطن ستتمكن من إقناع الشركاء التجاريين بالتوقيع على اتفاقيات تجارية، من شأنها حرمان الصين من أسواق تصدير حيوية، في وقت لا يستطيع فيه الاقتصاد المحلي الصيني الضعيف استيعاب ناتجها التصنيعي الهائل.
وفي الوقت ذاته، تبحث دول أمريكا اللاتينية كيفية إدارتها للعلاقات مع بكين، في وقت تتسم فيه التوترات الجيوسياسية بالحدة.
وبالنسبة لبنما، فإنها تعاني من الضغوط الأمريكية، بسبب ما تعتبره واشنطن تحكماً صينياً مفرطاً في موانئها، وتجابه أيضاً ويلات تهديدات ترامب باستعادة السيطرة على القناة. وقد اضطرت بنما بالفعل، في وقت مبكر من العام الجاري، إلى الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وذكر مايكل ماكينلي، أحد كبار المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية الأمريكية، أن بيان الولايات المتحدة بشأن بنما «بعث برسالة أشمل إلى المنطقة، بشأن الاستثمارات الصينية، وسيطرتها على البنية التحتية الحساسة».
ومن بين الزعماء الذين يحضرون الاجتماع كذلك، غابرييل بوريك، رئيس تشيلي اليساري، مع العلم بأن تشيلي تعد أكبر منتجة للنحاس على مستوى العالم.
ووصف دبلوماسيون برازيليون الاجتماع بأنه استمرار للسياسة البرازيلية منذ أمد طويل، المتعلقة بالمشاركة مع قوى «الجنوب العالمي»، في خضم السعي إلى التعددية، وليس باعتباره ابتعاداً حديث العهد بالبلاد عن المدار الأمريكي، أو رد فعل على التعريفات التي فرضتها واشنطن.
ومنذ الجائحة، نظرت الشركات الصينية إلى المكسيك، باعتبارها موقعاً جذاباً، يمكنها استخدامه للتصدير إلى الولايات المتحدة، بسبب قربها منها جغرافياً، وللمعاملة التفضيلية التي تتمتع بها، بفضل الاتفاقية الثلاثية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وقد بدأ المسؤولون المكسيكيون بالفعل في اتخاذ إجراءات من شأنها محاولة كبح انطلاق القطار الصيني، إذ فرضت الحكومة المكسيكية رسوماً على مجموعة واسعة من السلع الصينية، تتراوح بين الصلب وحتى المنسوجات، وتعهدت بتدشين برنامج وطني لمراقبة الاستثمارات من عدسة الأمن القومي، وحاولت مساعدة المُصنّعين في الاستعاضة عن المُدخلات الصينية، واستخدام بدائل يمكن الحصول عليها محلياً.
وتسعى الصين جاهدة لإقناع واشنطن بالابتعاد عن تايوان وبحر الصين الجنوبي، وكلاهما تعتبرهما ضمن مجال نفوذها.
وأضاف سونغ: «تود الصين أن تراكم المزيد من أوراق للتفاوض، ولعل واحدة من أفضل الطرق لفعل هذا، هو إثارة بعض نقاط الخلاف، وتسليط الضوء على بعض المؤشرات على وجود قوى طاردة مركزية في الفناء الخلفي لغريمك»، وأسهب أن «الصين لديها قدر كبير من المحفزات»، لاستغلال أي جهود من جانب دول أمريكا اللاتينية، لكي تبتعد عن الولايات المتحدة.
