ريتشارد واترز

على مدى عقود، انصبت الجهود في سباق الوصول إلى الحوسبة الكمومية على تطوير العتاد القادر على تسخير التأثيرات الميكانيكية الكمومية الدقيقة لإنجاز عمليات حسابية معقدة. لكن اليوم، ومع اقتراب البعض من تحقيق أنظمة قابلة للاستخدام، يتجه الاهتمام بشكل متزايد نحو البرمجيات التي ستجعل من هذه الأجهزة أداة عملية ومفيدة.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة فيزكرافت البريطانية، المتخصصة في تطوير الخوارزميات الكمومية، نجاحها في جمع 34 مليون دولار من مجموعة من المستثمرين، من بينهم شركة استثمارية مرتبطة بعملاق الصناعات الدوائية الدنماركي نوفو نورديسك. وعلى الرغم من أن هذا التمويل يظل محدوداً مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تتدفق عادة نحو تطوير العتاد الكمومي، فإنه يمثل إشارة واضحة إلى أن شركات البرمجيات الكمومية بدأت تجتذب اهتماماً.

وقال بوب سوتور، كبير الخبراء الكموميين السابق لدى «آي بي إم»: «هناك مرحلة لا يهتم الناس فيها سوى بالتطبيقات»، وتابع: «لطالما كانت البرمجيات ذات هيمنة أكبر على الأذهان واحتلت الأولوية في تاريخ الحوسبة». ويعكس الاهتمام المتنامي بالخوارزميات، تكثيفاً لمحاولات الوصول إلى حواسيب كمومية لديها القدرة على حل نطاق أوسع من المشكلات، وبإمكانها إنجاح تقنيات معروفة مسبقاً بكفاءة حتى يمكنها تشغيل حواسيب أصغر حجماً.

وفي إشارة للمنافع المحتملة، قال باحث لدى «غوغل» أخيراً إنه تمكن من تقليص حجم حاسب كمومي بعشرين مرة لتشغيل خوارزمية «شور»، والتي يمكن استخدامها لفك الأشكال الأكثر استخداماً للتشفير اليوم.

وأوضح ستيف برايرلي، الرئيس التنفيذي لدى شركة ريفرلين البريطانية المتخصصة في الحوسبة الكمومية، أن التطورات التي شهدتها الخوارزميات الكمومية على مدى الأعوام العشرة الماضية قد أدت إلى «تراجع أسي» في حجم القوة الحاسوبية المطلوبة لتشغيل هذه الخوارزميات.

ومع ذلك، لم يطرأ تحسن بما يكفي على المعدات الكمومية لتشغيل مثل هذه الخوارزميات. لكن في ضوء التحسن الذي بدأ يطرأ على كل من المعدات والخوارزميات، يرى بيتر باريت، الشريك لدى شركة رأس المال المغامر «بلاي غراوند غلوبال»، التي ساهمت في الاستثمارات التي حصلت عليها «فيزكرافت»، أن «هناك مرحلة تقارب حتمية»، لافتاً: «نحن على أعتاب هذه المرحلة».

وقد أسفرت التطورات التي شهدتها البرمجيات عن تأكيدات متجددة بأن الصناعة باتت قريبة من التوصل إلى التفوق الكمومي، وهي المرحلة التي يمكن فيها للحواسيب الكمومية تنفيذ مهام مفيدة لا يمكن إتمامها عملياً بواسطة الحواسيب التقليدية.

من جانبها، صرحت آشلي مونتانارو، الرئيسة التنفيذية لدى «فيزكرافت»، بأن خوارزميات شركتها ستكون قادرة على إجراء حسابات «مهمة علمياً» بحلول الربيع المقبل، مشيرة إلى أن بعضاً من التطبيقات المفيدة تجارياً ستكون متاحة «في غضون العامين المقبلين». وأوضحت أن الوصول إلى مرحلة «التفوق العلمي الكمومي» سيكون «نقطة فاصلة للمجال ككل».

ومع ذلك، ليس هناك اتفاق واسع النطاق على ما ينطوي عليه التفوق الكمومي، ويرى المشككون أن التكنولوجيا ما زال أمامها سنوات لكي تكون مفيدة حقاً.

وكان البحث عن التطبيقات العملية الأولى يركز على الكيماويات وعلوم المواد، بما أن الحواسيب الكمومية من المتوقع أن تكون أكثر فاعلية في نمذجة التأثيرات الكمومية للأنظمة الفيزيائية على المستوى الذري. وعلى سبيل المثال، تقول «فيزكرافت» إنها تمكنت من تطوير طريقة أكثر فاعلية لتطبيق تقنية يشاع استخدامها يطلق عليها «نظرية الكثافة الوظيفية»، وتستخدم في نمذجة سلوك الذرات والجزيئات.

وينطوي هذا النهج على استخدام خوارزمية كمومية لتسريع واحدة من خطوات هذه العملية، ما ينتج عنه تطبيق هجين. وقالت مونتانارو: «تترجم التحسينات الطفيفة إلى قيمة مهولة لفهمنا للكيمياء، وكذلك سيطرتنا على الأنظمة الكيميائية». والأعمال التي تقوم بها شركات مثل «فيزكرافت» ربما تكون الأولى في مجال العلوم المناخية.

وأرجع بوب سوتور ذلك إلى أن الحجم الضئيل نسبياً لذرات الليثيوم يجعلها أسهل من حيث النمذجة، ما يعني أن بعضاً من أولى الفوائد المتأتية عن هذه التطورات الكمومية قد تأتي على هيئة تحسين للمواد المستخدمة في صناعة البطاريات. ومن شأن تقنيات مشابهة أن تسهم في التوصل إلى تطوير أدوية جديدة، ما سيزيد من اهتمام شركات مثل «نوفو نورديسك».

ومع ذلك، حذر خبراء مثل مونتانارو من أن النتائج على المدى القريب ستكون ضئيلة نسبياً. وأضافت: «لقد مررنا بشكل من أشكال الذروة في الحماس بشأن التكنولوجيا الكمومية». لقد كان هناك الكثير من الحماس، وهو ما أعتقد أنه لم يكافئه ما يكفي من التطورات على أرض الواقع في بعض الحالات.