آندي باوندز

لم يكن أغسطس الشهر المعتاد للاسترخاء في عاصمة الاتحاد الأوروبي هادئاً هذا العام، فقد عمل المسؤولون بجد لتحويل الاتفاقية التجارية التي تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة في نهاية يوليو إلى تغييرات عملية.

وعلى الرغم من قرار إحدى المحاكم الأمريكية اعتبار التعريفات «المتبادلة» التي فرضها دونالد ترامب غير قانونية، يواصل الاتحاد الأوروبي المضي في تنفيذ الاتفاق، انطلاقاً من قناعة بأنه إمّا أن يكسب ترامب استئنافه أمام المحكمة العليا، أو أن يجد سنداً قانونياً آخر من بين القوانين الطارئة الكثيرة المتاحة في الولايات المتحدة.

وفي 28 أغسطس، أصدرت المفوضية الأوروبية مقترحاً عاجلاً لخفض الرسوم الجمركية على العديد من السلع الأمريكية، مقابل أن تُخفّض واشنطن رسومها على السيارات من 27.5% إلى 15%.

وإذا حظي المقترح بموافقة الدول الأعضاء (وهو أمر مرجّح جداً)، والبرلمان الأوروبي (وهو أصعب)، سيدخل حيّز التنفيذ، بحيث تُلغى الرسوم على السلع الصناعية الأمريكية، بما فيها السيارات، وتُحدد حصص منخفضة الرسوم لحوالي 20 منتجاً زراعياً من المكسرات إلى لحوم البيسون. غير أنّ الاتحاد الأوروبي لن يغير على الأرجح قوانينه الصحية الغذائية، التي تمنع دخول كثير من المنتجات الأمريكية، مثل الدجاج المغسول بالكلور. وسيتضح قريباً رد فعل ترامب عندما يكتشف أن الصادرات لم تحقق التوقعات.

وتؤكد بروكسل، من جانبها، أن هذا الاتفاق يوفر الاستقرار اللازم للأعمال، لكن الواقع يُظهر هشاشة أشبه باستقرار الحكومات الفرنسية، فتهديدات ترامب بمعاقبة الدول التي تفرض ضرائب رقمية، أو تنظّم عمل شركات التكنولوجيا الكبرى، تكشف ذلك.

كما يواجه التنفيذ صعوبات من جانب الجمارك الأمريكية المثقلة بالأعباء. فقد أعربت إيطاليا عن استيائها من فرض رسوم 30% على بعض شحنات جبنة بارميزان وغرانا بادانو، بدلاً من 15% المتفق عليها. وهناك أيضاً مشكلة الرسوم على الفولاذ والألمنيوم، التي لا تزال عند 50%، وتشمل المنتجات التي تحتوي على هذه المعادن، مثل الرافعات الصناعية، ما يجعلها تخضع لرسوم أعلى من الـ 15% المقررة.

وقد أقر أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي مؤخراً، بأن الوضع «متحرك»، مضيفاً تعبيراً جديداً إلى قائمة المصطلحات الملطّفة التي أفرزتها المفاوضات. واليقين الوحيد هو أن الولايات المتحدة تضيّق الخناق على النفاذ إلى أسواقها، ما يدفع بروكسل إلى التعويل على فتح أسواق جديدة، عبر سلسلة من اتفاقيات التجارة الحرة.

وبعد سنوات من الجمود، بات المفاوضون الأوروبيون يجوبون العالم من الإمارات إلى أستراليا، لكن قلة من هذه الاتفاقيات تحمل ثقلاً حقيقياً. وأبرزها اتفاق ميركوسور مع أمريكا الجنوبية، الذي يُعد الأكبر في تاريخ الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الهند، القوة الاقتصادية الصاعدة، وإندونيسيا، السوق الضخمة التي تضم قرابة 300 مليون نسمة، وتزخر بالمواد الخام.

وستعرض المفوضية، اليوم الأربعاء، اتفاق ميركوسور مع البرازيل والأرجنتين والأوروغواي والباراغواي على الدول الأعضاء للمصادقة. وقد تم التوصل إليه في ديسمبر، بعد مفاوضات استمرت 25 عاماً، لكن فرنسا وبولندا ودولاً أخرى طالبت بمزيد من الضمانات، لحماية مزارعيها من واردات لحوم البقر والسكر وغيرها.

ومع ذلك، وبسبب انكماش فرص الوصول إلى السوق الأمريكية، دفعت ألمانيا باتجاه تمريره. ومن غير المرجح أن تنجح الدول المعارضة في تكوين أقلية معطلة، وإن كان تمريره في البرلمان الأوروبي سيكون أكثر صعوبة. وفي تقييم لفرص إنجاز الصفقات في العامين المقبلين، نجد ما يلي:

-إندونيسيا: فرصة الإنجاز 90%، لكن تكمن العقبة الرئيسة في وجود نزاعات في منظمة التجارة العالمية حول قيود تصدير النيكل، ورسوم الاتحاد على الوقود الحيوي. وهناك أيضاً خلافات بيئية بشأن زيت النخيل. لكن رغبة الجانبين في تقليص الاعتماد على الصين وأمريكا، قد تساعد في تجاوز الخلافات.

-الإمارات: نسبة الإنجاز تصل إلى 80%. وتعد الإمارات شريكاً جذاباً، بفضل نوعية المستهلكين والمستثمرين. وهناك مهلة حددتها الإمارات بـ 18 شهراً، وهو ما يضع البيروقراطية في بروكسل تحت الاختبار.

-الفلبين: فرصة الإنجاز تقدر بـ 80%. والعقبة أن الاتفاقية مع الفلبين ليست أولوية كبرى لبروكسل، مقارنة بالاتفاقيات الأخرى.

-ميركوسور: النسبة 75%، لكن العقبة الأكبر تتمثل في احتمال تحرك المزارعين الأوروبيين ضد الاتفاق، رغم وجود صندوق دعم بقيمة مليار يورو. كما أن الاتفاق يرفضه حتى الآن البرلمان الأوروبي.

-أستراليا: النسبة 70%، والعقبة تتمثل في التوتر إلى حدث بعد انسحاب وزير التجارة الأسترالي من المفاوضات في اللحظة الأخيرة. والخلاف يدور حول صادرات لحوم البقر والأغنام. حيث يعطي الاتحاد الأوروبي الأولوية في هذا المجال لميركوسور.

-الهند: فرصة الإنجاز 65%. وتكمن العقبة في أن متوسط الرسوم الهندية 17%، وهو أعلى من مستوى الاتحاد. كما تطالب نيودلهي باستثناءات من بعض القواعد البيئية، مثل ضريبة الكربون الحدّية، وهو ما يرفضه الاتحاد. والصفقة المتوقعة ستكون أقل من المعتاد.

-ماليزيا: فرصة الإنجاز 60%. والعقبة تكمن في خلافات مشابهة لإندونيسيا بشأن القواعد الخضراء، كما أنها ليست أيضاً ضمن أولويات بروكسل.

-تايلاند: فرصة الإنجاز 40% العقبة: مخاوف حقوقية. لذا، فقد توقفت المحادثات خمس سنوات، بعد انقلاب 2014، كما أن السياسة التايلاندية غير مستقرة.

-مجلس التعاون الخليجي: فرصة الإنجاز تصل إلى 25%. والعقبة تكمن في وجود عدد من الاختلافات.