لكن الأمر يتجاوز هذه المشاهد البصرية، إذ تسعى وزارة العدل الأمريكية والهيئة الفيدرالية للتجارة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ضد شركات التكنولوجيا العملاقة.
وهنا يبرز سؤال محوري: هل يمكن اعتبار ترامب داعماً للحرية التكنولوجية؟ أم أنه شعبوي مناهض لسيطرة عمالقة التقنية؟
لقد مثلت فكرة أمازون فرصة لاستثمار البيانات الضخمة التي تمتلكها شركات التكنولوجيا العملاقة.
فهذه البيانات يمكن استخدامها لإطلاق ما يشبه «ملصق المعلومات الغذائية» لسلاسل التوريد، بحيث توضح للجمهور تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار، وكذلك نسبة الزيادة في التكاليف التي ستتحملها الشركات الكبرى من جيوبها - التي يرجح أن تكون ضئيلة جداً. غير أن أمازون اختارت مساراً مختلفاً، وأنهت الموضوع سريعاً بعد اتصال هاتفي بين مؤسسها ورئيس مجلسها التنفيذي جيف بيزوس والرئيس ترامب.
تكشف هذه الواقعة عن الإشارات المتضاربة الصادرة عن إدارة ترامب بشأن التكنولوجيا والتنظيم، وتظهر أن هذا مجال آخر من مجالات السياسة التي تفتقر للوضوح من البيت الأبيض، فنائب الرئيس جيه دي فانس يرتبط بعلاقة طويلة مع ملياردير التكنولوجيا بيتر ثيل، لكنه بالمقابل من المعجبين بالرئيسة السابقة للهيئة الفيدرالية للتجارة لينا خان وحملتها ضد الاحتكار.
ورغم أن سليتر تختلف عن خان، فإن موقفها المؤيد للسوق يعني رفضها لحجة «البطل الوطني» التي يروج لها وادي السيليكون بأن الأكبر هو الأفضل في معركة التفوق التكنولوجي مع الصين، وأكدت في مقابلة مؤخراً مع الخبير المحافظ سهراب أحمري: «نعتقد أنه يجب أن نثق أكثر في نظامنا ولا نظن أنه لمنافسة الصين، علينا أن نصبح أكثر شبهاً بها».
وتستشهد سليتر بقرار تفكيك شركة «إيه تي آند تي» إبان حقبة ريغان - الذي أدى إلى تسريع ابتكارات الهاتف المحمول - كنموذج يحتذى به.
وقد دفع هذا التصور الهيئة الفيدرالية للتجارة لمقاضاة «أوبر»، متهمة إياها بتعمد وضع عراقيل أمام المستخدمين الراغبين في إلغاء خدمات الاشتراك - وهي مزاعم تنفيها الشركة بشدة.
ويتقاطع هذا النهج التنظيمي، الذي يتصدى لاختلال توازن المعلومات وغموض نماذج الأعمال التقنية، مع مقاربة إدارة بايدن.
وكان تجاوز نموذج «رفاهية المستهلك» التقليدي لتنظيم الاقتصاد الرقمي - القائم في جوهره على تبادل المعلومات - طرحاً جريئاً وابتكارياً وصائباً.
أما الرئيس السابع والأربعون فيتعامل مع مفهوم «القوة التنظيمية» بانتهازية مفرطة، ويتجلى ذلك في مقاربته لقضية «اشترِ أو ادفن» المرفوعة ضد «ميتا».
فقد كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مساعي الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ الحثيثة للضغط على ترامب شخصياً، أملاً في إلزام الهيئة بقبول تسوية بقيمة 450 مليون دولار - أي جزء بسيط من غرامة الـ30 مليار دولار التي طالبت بها الجهة التنظيمية.
فهل يساور أحد أي شك في قدرة ترامب على إبرام صفقة مع زوكربيرغ أو «غوغل» لتخفيف الإجراءات المناهضة للاحتكار مقابل منافع شخصية أو سياسية؟
غير أن نهجه الشمولي في فرض الرسوم الجمركية دفع الاتحاد الأوروبي للتلويح بضرائب رقمية ضخمة تستهدف شركات وادي السيليكون. وهكذا، فإن حقيقة خوض الولايات المتحدة معارك متزامنة مع أوروبا والصين ستقلص رغبة بقية دول العالم في الدوران ضمن فلك التكنولوجيا الأمريكية.
وتكمن المفارقة في أن هذه التعريفات ستلحق ضرراً أكبر بالشركات الصغيرة مقارنة بنظيراتها الكبرى، مما سيعزز هيمنة العمالقة ويزيد من حجمها. والمؤكد أنه طالما بدت هذه الشركات الكبرى في صف ترامب، فمن المستبعد أن يكترث لهذه النتائج.
