بيتر فوستر – إيليا غريدنِف – آندي باوندز – أوين ووكر

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إحياء خطة شراكة استراتيجية مع «اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ»، وذلك بهدف حماية النظام العالمي القائم على القواعد، وفقاً لتصريحات مسؤولين أوروبيين ودبلوماسيين رفيعي المستوى. وقد اكتسبت خطط تعزيز الروابط بين بروكسل والتكتل الذي يضم 12 دولة، من بينها كندا واليابان والمكسيك، زخماً متجدّداً، بعد إعلان ترامب في أبريل عن فرض رسوم جمركية، بمناسبة ما وصفه بـ «يوم التحرير».

وقال مسؤول في المفوضية الأوروبية، إنه «لا يزال الوقت مبكراً جداً»، لكن الجانبين «انتقلا إلى مرحلة باتا فيها مستعدين للنظر في اتفاق مع «الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ».

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، قد صرحت لصحيفة «فاينانشال تايمز»، في أبريل، بأن الطرفين يرغبان في التعاون بشأن «وضع قواعد تضمن عدالة التجارة العالمية، بما يخدم البشرية جمعاء». وأضافت أن الكتلتين تسعيان لاستغلال الاضطراب الراهن، للنظر في ما يجب إصلاحه داخل منظمة التجارة العالمية، و«كيفية العمل بشكل أوثق لتحقيق ذلك».

ويعد هذا الانفتاح المتجدد في بروكسل نحو إقامة شراكة، قد تشمل تعاوناً أوثق في مجالي التجارة الرقمية وتجارة السلع، تحولاً نوعياً في الموقف داخل دوائر صنع القرار الأعلى في الاتحاد الأوروبي.

ويقول مسؤولون من الجانبين، إن هذه الشراكة المحتملة من شأنها أن تخلق مظلة اقتصادية تغطي دولاً تمثل ما يقارب 30 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتبعث برسالة واضحة مفادها أن غالبية النظام التجاري العالمي، لا تزال ملتزمة بالحفاظ على النظام القائم على القواعد، والذي بات مهدداً بسبب الرسوم الجمركية التي أعلن عنها ترامب.

وكانت محاولة سابقة لتعميق العلاقات في عام 2023، قد أخفقت في اكتساب الزخم الدبلوماسي، غير أن تقريراً آنذاك صدر عن «المجلس الوطني السويدي للتجارة» –وهو هيئة حكومية مستقلة– رأى أن اتفاقاً بين التكتلين قد يجعل منهما «مركز الثقل في التجارة العالمية».

وقد تأسست «الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ» في عام 2018، وتضم في عضويتها كلاً من أستراليا، وبروناي، وكندا، وتشيلي، واليابان، وماليزيا، والمكسيك، ونيوزيلندا، وبيرو، وسنغافورة، والمملكة المتحدة، وفيتنام.

ويوفر التكتل معاملة متساوية للمستثمرين، وتكاملاً أعمق في تجارة السلع. ويمتلك الاتحاد الأوروبي بالفعل اتفاقات ثنائية مع تسعة أعضاء في اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ. ومن بين دول التكتل، كانت نيوزيلندا وكندا وسنغافورة، من أبرز الداعمين لفكرة توثيق الروابط مع الاتحاد الأوروبي، وفقاً لما أكده دبلوماسيون، أشاروا أيضاً إلى أن اليابان تدعم المبادرة.

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الكندية، إن البلاد ملتزمة بتعزيز علاقاتها التجارية مع أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن متحدثاً باسم الوزارة، شدد على أنه «لم يتم اتخاذ أي قرارات أو التوصل إلى أي اتفاقات» حتى الآن. كما أيّد رئيسا وزراء نيوزيلندا وسنغافورة في الأسابيع الأخيرة، فكرة تعميق التعاون بين التكتلين.

غير أن آلية تحويل هذه التصريحات الإيجابية إلى حوار رسمي منظم لم تُنشأ بعد، بحسب ما أفاد به دبلوماسيون، وذلك يعود جزئياً إلى أن أستراليا تتولى حالياً الرئاسة الدورية لاتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، وقد أجرت انتخابات عامة منذ أيام.

ومن المتوقع أن يؤدي تشكيل حكومة أسترالية جديدة، إلى استئناف المحادثات المتوقفة بشأن اتفاقية التجارة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، وهو ما قد يوفر أيضاً منبراً سياسياً لفتح حوار أوسع بين الاتحاد الأوروبي، واتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، حسبما قال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي.

وقال دبلوماسي آخر من التكتل الآسيوي، إنه من الممكن طرح آليات تحسين التعاون مع الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع وزراء التجارة، على هامش قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ»، المقرر عقدها في كوريا الجنوبية هذا الشهر.

ومن بين أبرز المؤيدين لإبرام سريع للاتفاق، سيسيليا مالمستروم، المفوضة الأوروبية السابقة لشؤون التجارة، والباحثة حالياً في «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي»، والتي قالت بوضوح إن هناك «زخماً متجدداً» خلف هذه الفكرة.

وأضافت: «إذا كان لهذا الأمر أن يحدث، فيجب أن يتم بسرعة، خلال هذا العام»، مشيرة إلى أن «الاتحاد الأوروبي يتحرك ببطء، لكن ما شهدناه خلال الأشهر الثلاثة الماضية، يبين وجود حاجة ملحة للدفاع عن التجارة القائمة على القواعد». ولا تزال معالم أي ترتيب محتمل قيد النقاش، إذ أكدت أورسولا فون دير لايين، أنه لا توجد خطط لانضمام الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ.

وأشار أحد مسؤولي التكتل إلى أن الإطار المقترح، قد يقوم على مسارين متوازيين، يشمل أولهما «مدونة سلوك جديدة»، يعبّر من خلالها الوزراء عن التزامهم المشترك بقواعد منظمة التجارة العالمية، فيما يتضمن الثاني حواراً منفصلاً، لمناقشة توحيد القواعد في مجالات رئيسية، مثل التجارة الرقمية والاستدامة.

وفي الوقت نفسه، وبغرض عدم تصوير الاتفاق ككتلة مناوئة للولايات المتحدة، واعترافاً بأن بعض الشكاوى الأمريكية بشأن التجارة مبررة، فقد يسعى الاتفاق أيضاً إلى الانخراط في جهود إصلاح منظمة التجارة العالمية.

وقد أثارت أكثر المقترحات طموحاً بشأن الاتفاق بين التكتلين، احتمال توصلهما إلى اتفاق بشأن ما يُعرف بـ «تراكم قواعد المنشأ»، وهي القواعد المستخدمة في اتفاقات التجارة الحرة، لتحديد ما إذا كان المنتج يحتوي على نسبة كافية من المكونات المحلية، تؤهله للاستفادة من دخول تفضيلي منخفض التعرفة إلى الأسواق.

ويقول مؤيدو هذه الفكرة، إنها ستمكن شركات الاتحاد الأوروبي واتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، من دمج سلاسل التوريد الخاصة بها بسهولة أكبر، والسماح لها باستيراد السلع إلى دول بعضها البعض بسهولة أكبر.

وطرحت هذه الفكرة من قبل مجلس التجارة في السويد، ثم مرة أخرى في تقرير حديث صادر عن مركز الأبحاث «بروغل»، ومقره بروكسل، لكن مسؤولي المفوضية أوضحوا أن هذا ليس خياراً متاحاً للاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي.