سيلفيا فايفر

تستعد شركات الدفاع، والمقاولات البحرية، والتقنيات الناشئة لموجة إنفاق حكومي بمليارات الدولارات في ميدان صراع جديد: حماية الأصول البحرية والبنية التحتية الحيوية تحت سطح البحر.

فقد دفعت الحوادث الأخيرة التي استهدفت خطوط أنابيب الغاز وكابلات الاتصالات المغمورة تحت الماء، المخططين العسكريين إلى البحث عن وسائل أكثر فاعلية لتأمين هذه الأصول التي تُعد شرياناً أساسياً للاقتصادات الحديثة.

في الولايات المتحدة، عززت السلطات دفاعاتها البحرية عبر تشديد لجنة الاتصالات الفيدرالية للوائح الخاصة بالكابلات البحرية. وفي بريطانيا، برزت حماية المجال البحري المغمور كأحد المحاور الرئيسة في المراجعة الاستراتيجية الأخيرة لقدراتها العسكرية.

وقال سيد كوشال، الخبير في شؤون الحرب البحرية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة: «إن الجهد المبذول للحفاظ على الوعي بالأوضاع تحت سطح الماء وتعقب الأهداف المراوغة نسبياً ليس جديداً على القوات البحرية».

لكن بروز تهديدات جديدة، بدءاً من الهجمات على البنية التحتية مثل الكابلات وخطوط الأنابيب وصولاً إلى الاعتداءات على سفن الشحن، جعل النهج التقليدي في الحروب البحرية، حيث تُكلَّف طائرة دورية بحرية وعدد محدود من الفرقاطات بمطاردة غواصة معادية، نهجاً مكلفاً وغير قابل للاستدامة.

وتزداد صعوبة المهمة مع استهداف البنية التحتية الوطنية الحيوية بشكل مباشر. وأوضح كوشال أن التحدي يتمثل في «مسألة الحجم وكيفية توسيع القدرات».

وتعمل بعض أبرز شركات الدفاع في العالم، من بينها «بي إيه إي سيستمز» و«تاليس»، إلى جانب شركات أصغر مثل «ألترا ماريتايم» وشركات ناشئة مثل «هيلسينغ»، على ضخ استثمارات ضخمة في تطوير تقنيات متقدمة لصالح القوات البحرية في دول عدة، من بينها بريطانيا وأستراليا وأمريكا.

كما تتطلع هذه الشركات إلى مبادرة «رؤية المحيط الرقمي» لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تهدف إلى تعزيز قدرة الحلف على فهم وتقييم ما يحدث تحت سطح البحر وفوقه، باستخدام كل ما هو متاح بدءاً من الأقمار الصناعية وصولاً إلى الأنظمة الذاتية التشغيل.

وتظل بيئة العمل تحت الماء مليئة بالتحديات. فهي «بيئة قصوى»، كما يصفها ديف كويك، رئيس قسم الأسلحة تحت الماء في «بي إيه إي سيستمز». ويضيف أن «الأعماق وضغط المياه والبيئة الصوتية التي تعتمد عليها جميع الأنظمة، إلى جانب الاتساع الهائل غير المتصور، تمثل عوامل تجعل المهمة معقدة للغاية».

وتتوقع شركة «فينكانتيري» الإيطالية، أكبر شركة لبناء السفن في أوروبا والمملوكة للدولة، أن تنمو السوق العالمية للأمن البحري التجاري والعسكري تحت الماء بمقدار 50 مليار يورو سنوياً.

كما تتوقع أن يتضاعف حجم قسمها المتخصص في الأنظمة المغمورة خلال العامين المقبلين ليصل إلى إيرادات قدرها 820 مليون يورو بحلول عام 2027.

ويؤكد المديرون التنفيذيون أن التقدم في مجال الإلكترونيات الدقيقة والأنظمة الذاتية، إلى جانب الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في المجالات المدنية والعسكرية، يسهم في إحداث ثورة في القدرات الممكنة.

وقال بريت فانو، الرئيس التنفيذي لشركة «إم سابز» المتخصصة في المركبات البحرية غير المأهولة، إن «انتشار أنظمة الحوسبة عالية الأداء المتطورة والإلكترونيات الدقيقة وانخفاض تكلفتها أتاحا إمكانات لم تكن ممكنة لعقود، سواء من حيث التصغير أو كفاءة استهلاك الطاقة أو قدرات المعالجة».

وتعد «إم سابز»، التي تتخذ من بليموث مقراً لها وتعود ملكيتها إلى مجموعة «سابميرجنس» المملوكة لـ«فانوف»، من بين الشركات التي طورت غواصة تجريبية كبيرة الحجم غير مأهولة لصالح البحرية الملكية البريطانية.

وهذه الغواصة التي أطلق عليها اسم «إكسكاليبور» يبلغ طولها 12 متراً وقطرها 2.2 متر وتزن 19 طناً، وهي أكبر مركبة مغمورة غير مأهولة تختبرها البحرية حتى الآن. وستخضع خلال العامين المقبلين لتجارب بحرية تهدف إلى تسريع اعتماد البحرية على التقنيات المتقدمة.

وقال إيان ماكفارلاين، مدير المبيعات في قسم الأنظمة المغمورة لدى «تاليس» في بريطانيا: «لقد بلغنا نقطة تحول على عدة مستويات»، مبيناً أن التطور لم يقتصر على تصغير بعض القدرات المطلوبة، مثل أجهزة الاستشعار، بل شمل أيضاً تطوير المنصات غير المأهولة اللازمة لحملها وتشغيلها. وأضاف أن النتيجة هي أنه «يمكننا نشر أعداد كبيرة في البحر باستخدام حساسات أصغر، للقيام بالمهمة ذاتها».

وتعد «تاليس»، التي توفر أنظمة السونار للبحرية الملكية منذ عقود، من بين الشركات المهتمة بمشروع «كابوت» المرتقب للبحرية، والهادف إلى نشر أسطول من المركبات المأهولة وغير المأهولة لتعزيز قدرات مكافحة الغواصات.

وستتعاون البحرية مع المتعاقدين الدفاعيين لاستخدام طائرات مسيرة مائية لجمع البيانات الصوتية تحت الماء، ليتم لاحقاً تحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل رصد التهديدات المحتملة.

وقال ماكفارلاين إن شركة «تاليس» تجري محادثات مع شركاء استراتيجيين بشأن مشروع «كابوت». وأوضح أن الهدف لا يقتصر على جمع البيانات بواسطة أجهزة الاستشعار وغيرها من الوسائل، بل يشمل أيضاً معالجتها وتحويلها إلى معلومات قابلة للاستخدام وعرضها بطريقة تمكّن المستخدمين من فهم ما يتعاملون معه. ويؤكد التنفيذيون أن القدرة على إيصال البيانات الحيوية بشكل آمن وبأقرب ما يكون إلى الوقت الفعلي تُعدّ عاملاً حاسماً.

وقال ديف كويك من «بي إيه إي»: «لا مجال لليوم السيئ». مشدداً على أن الأنظمة التي تقدمها الشركات يجب أن تكون «قادرة على الصمود» وتعمل في اللحظة المطلوبة. وأشار إلى أن امتلاك «الفهم العسكري الذي يمكّنك من إدراك وجود خلل ما» لا يقل أهمية.

وتنتج «بي إيه إي سيستمز»، المسؤولة عن بناء جميع الغواصات النووية التابعة للبحرية الملكية البريطانية، مركبة بحرية مستقلة فائقة الحجم صُممت خصيصاً للاستخدام العسكري.

وأطلق على هذه الغواصة اسم «هيرن»، وهي تتميز بتصميمها المعياري الذي يمنح المستخدمين مرونة كبيرة من خلال إمكانية إضافة أطوال إضافية لحمل شحنات أكبر، فضلاً عن «قدرات استثنائية في المدى والتحمل».

ودفع تصاعد التهديدات أيضاً شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا الدفاعية إلى دخول هذا المضمار، ومن بينها «هيلسينغ» الأوروبية و«أندوريل يو كيه»، الفرع البريطاني للمجموعة الأمريكية.

وتأمل هذه الشركات في الاستفادة من سرعة تطويرها للحصول على مواقع متقدمة في برامج استراتيجية مهمة. وأعلنت «هلسينغ» في يوليو أنها اختارت مدينة بليموث في جنوب غرب بريطانيا مقراً لإنشاء مصنع لإنتاج أسطول من المركبات الشراعية المستقلة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أُطلق عليها اسم «إس جي-1 فاثوم».

وقالت الشركة إن مشغلاً واحداً سيكون قادراً على مراقبة مئات من هذه المركبات، والحصول على معلومات استخباراتية بتكلفة لا تتجاوز 10% من تكلفة الدوريات المأهولة لمكافحة الغواصات.

وتخطط «هلسينغ» لنشر النظام خلال الأشهر الـ12 المقبلة بالتعاون مع مجموعة «بلو أوشن مارين تيك سيستمز» المتخصصة في الطائرات البحرية المسيرة، وشركة «أوشن إنفينيتي» المتخصصة في الروبوتات البحرية، ومجموعة «كينيتيك» المدرجة على مؤشر «فوتسي 250».

في المقابل، تعاونت شركة «أندوريل» الأمريكية مع شركتين بريطانيتين هما «سونارداين» و«ألترا ماريتايم» لتطوير نظام مستقل لرصد الغواصات في الوقت الفعلي، أُطلق عليه اسم «سي بِد سنتري».

ويُلقى هذا النظام من سفينة أو غواصة ليشكّل شبكة من «العُقد الاستشعارية» منخفضة التكلفة لكن عالية التطور على قاع البحر.

وبالاقتران مع نظام «سي سبير» من «ألترا»، وهو نظام سونار خفيف الوزن، يعمل «يب بد سنتري» كـ«سلك إنذار» يكشف أي نشاط مريب تحت الماء في الوقت الفعلي.

وقال ريتشارد دريك، المدير العام لـ«أندوريل يو كيه» والمسؤول عن المنطقة الأوروبية الأوسع، إن الشركة نجحت في الانتقال من «مرحلة الفكرة إلى الاختبارات العملية في البحر» بالنسبة لنظام «سي بد سنتري» في نحو عام واحد فقط. وأضاف: «كل ما يهمنا هو وضع شيء ما في الماء».