أمريتا سين
إذا كان دونالد ترامب يسعى فعلاً إلى خفض واردات الهند من النفط الروسي إلى الصفر، فقد تأتي النتائج على عكس ما يتوقعه الرئيس الأمريكي.
وقد بدأت الولايات المتحدة أمس بالفعل، فرض رسوم جمركية تبلغ نسبتها 50% على العديد من الصادرات الهندية، أي ضعف التعرفات التي كانت معتمدة، مع سعي ترامب لمعاقبة نيودلهي على شرائها النفط من روسيا.
وبحسب بيانات «أويل إكس»، تتراوح واردات الهند من الخام الروسي بين 1.5 و2 مليون برميل يومياً.
وإذا توقفت هذه الواردات بشكل مفاجئ واضطرت نيودلهي للبحث عن بدائل، فمن المرجح أن تقفز أسعار النفط عالمياً بشكل حاد، الأمر الذي سيؤدي إلى تسارع التضخم في الولايات المتحدة ودول أخرى. والسؤال المطروح على سوق الطاقة: هل يمتلك ترامب الجرأة لتحمل انعكاسات هذه الزيادة على المستهلك الأمريكي؟
وقد يخف الضغط جزئياً إذا تم تحويل بعض من هذا النفط إلى الصين، ما يقلّل من مشترياتها من مصادر أخرى.
ومع ذلك، فإن الصين تقترب بالفعل من الحد الأقصى الذي يمكنها استيعابه من النفط الروسي، والتجارب السابقة تشير إلى مخاطر محتملة.
فبعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، هددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض بعض من أشد العقوبات في التاريخ على روسيا.
وارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل قبل أن تبدأ تأثيرات هذه العقوبات في أن تخف تدريجياً.
بل قامت الحكومة الأمريكية بالإفراج بشكل استباقي عن 180 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأمريكي بدءاً من مايو 2022، وهو رقم تاريخي.
وفي سبتمبر 2022، اتفقت مجموعة السبع، بقيادة الولايات المتحدة، على تعديل سياسة العقوبات عبر وضع سقف سعري للنفط الروسي، بحيث يمكن شراؤه طالما كان سعر البرميل أقل من 60 دولاراً.
وكان المنطق وراء ذلك: تقليص إيرادات روسيا النفطية وفي الوقت نفسه ضمان استمرار تدفق النفط الروسي عالمياً لتجنب موجة صعود كبيرة في الأسعار.
كما حظر الاتحاد الأوروبي واردات النفط الروسي في أواخر 2022 ومنتجاته البترولية في أوائل 2023، مع بعض الاستثناءات، في الوقت الذي شجعت فيه الولايات المتحدة تدفّق النفط الروسي إلى أماكن أخرى.
وقالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، لوكالة «رويترز» في نوفمبر 2022، إن الولايات المتحدة كانت ترحب بشراء الهند للنفط الروسي بالقدر الذي ترغب فيه، بشرط أن تتجنب استخدام التأمين والخدمات المالية والبحرية الغربية الخاضعة للسقف السعري، وقد منح ذلك الدول نفوذاً في التفاوض على الأسعار مع موسكو.
وأضافت يلين: «النفط الروسي سيُباع بذلك بأسعار مخفّضة، ونحن سعداء بأن تستفيد الهند، أو إفريقيا أو الصين من هذه الأسعار المخفّضة.. لا مشكلة في ذلك».
وأظهر تحليل لبيانات صينية أجرته «إنرجي أسبيكتس» أنّ مشتريات الصين للنفط الروسي عبر وسائل مختلفة ارتفعت من 1.5 مليون برميل يومياً قبل الحرب إلى أكثر من 2 مليون برميل، مع شراء عدة درجات من النفط بأسعار تتجاوز السقف المقرر.
وبما أنّ الصين لا تملك القدرات التكريرية لاستيعاب كميات أكبر بكثير من النفط الروسي مقارنة بما كانت تشتريه سابقاً، فقد أصبحت الهند جغرافياً الخيار المنطقي لتصريف هذه البراميل الروسية.
الآن، تستهدف الولايات المتحدة الهند على نحو محدّد متهمةً إياها بالاستفادة من النفط الروسي لتحقيق أرباح.
ومن غير الواضح ما التنازلات التي قد تطلبها واشنطن من نيودلهي بشأن كميات النفط أو توقيت الشراء في أي تسوية محتملة، ما يضع العبء على الهند للتحرك.
وعلى عكس الصين، لا تمتلك الهند شبكة مصرفية سرية لتجاوز العقوبات، وتميل للعمل ضمن الأطر السياسية العالمية، كما يتضح من سابقة وقفها لجميع واردات إيران خلال الفترة الأولى لرئاسة ترامب عند إعلان العقوبات الثانوية.
ومن الممكن أن يتضمن أحد مسارات الحلول مزيجاً من التنازلات الهندية بشأن الرسوم الزراعية الأمريكية، أو خفضاً مُلزماً لمشتريات النفط الروسي (وهو ما يبدو أنه يحدث بالفعل)، و/أو زيادة الالتزامات بشراء الطاقة من الولايات المتحدة. غير أنّه يجب توضيح هذه البنود بشكل رسمي وصريح.
لكن هل استفادت مصافي النفط الهندية من الخصومات على النفط الروسي؟ نعم، فقد وصلت الخصومات الأولية إلى أكثر من 20 دولاراً فوق سعر دبي المرجعي، رغم أن ارتفاع تكاليف الشحن بعد العقوبات قلّل من الفوائد التي حصلت عليها الهند.
ومع ذلك، فقد استفادت الصين وتركيا والبرازيل (التي تشتري الديزل الروسي) من الخصومات نفسها. ومنذ 2022، ظل إنتاج المصافي الهندية مستقراً تقريباً، كما أن صادرات المنتجات ثابتة نسبياً، في ظل ارتفاع الطلب المحلي الذي يستوعب الزيادة.
والتحدي يكمن في أنّه إذا كانت الدول الغربية جادة بشأن العقوبات على روسيا أو إيران أو كليهما، فسيتعيّن عليها التعامل مع خسارة أكثر من 6 ملايين برميل يومياً من النفط الخام، وهو رقم يفوق بكثير طاقة الاحتياطي لدى أوبك+.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، ربما إلى مستويات تتجاوز 100 دولار للبرميل، وهو مستوى من المتوقع أن يرفضه ترامب وأوروبا.
وهكذا، فإنه على الرغم من أنّ القادة الغربيين يواصلون استخدام الطاقة أداة في السياسة الخارجية، إلا أنهم ليسوا مستعدين تماماً لمواجهة العواقب الحقيقية لتشديد العقوبات.
