لم يسبق أن كان الاتجار بالمخدرات منظماً أو مربحاً بهذا القدر الذي يشهده العالم الآن، فبفضل أرباحها القياسية من تجارة الكوكايين، أخذت العصابات الإجرامية تبسط أجنحتها وتمد أذرعها عبر قارات العالم، بل أخذت تتوسع في مجالات ومشاريع جديدة مثل التعدين غير القانوني للذهب، والابتزاز، وتهريب المهاجرين، والاتجار بالأنواع المهددة بالانقراض.
وأشارت صحيفة فايننشال تايمز إلى أن الرسائل المشفرة المعقدة والآمنة باتت تساعد المجرمين على تنظيم أنفسهم على نحو أفضل كثيراً من ذي قبل، كما يمكن للعملات المشفرة والتحويلات العكسية المساهمة في مزيد من الإخفاء لتدفقات الأموال.
كذلك، تمثل المخدرات الاصطناعية، مثل الفنتانيل، كنزاً للمتاجرين، حيث تُصنع في مختبرات صغيرة، وهي أقوى بخمسين مرة في تأثيرها من الهيروين.
والآن، تتحدى الكارتلات العابرة للحدود سلطة الدول؛ ففي المكسيك، يعمل تجار المخدرات بحرية في نحو ثلث البلاد، وذلك وفقاً لتقديرات الجيش الأمريكي، مستخدمين مركبات مدرعة، وطائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات، وأسلحة عسكرية.
وتتسبب طفرات المخدرات -عادة- في بؤس بشري وتدمير بيئي كبير. وقد ارتفعت بالفعل معدلات القتل في بلدان كانت آمنة في السابق مثل الإكوادور أو أوروغواي.
ويعيد تجار المخدرات استثمار أرباحهم في التعدين غير القانوني للذهب، ويسهمون في زيادة وتيرة تدمير غابات الأمازون المطيرة وإلقاء الزئبق في أنهارها.
لكن ما الحل؟ من المهم استذكار أن الحرب على المخدرات، التي كان الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون أعلنها لأول مرة عام 1971، قد فشلت تماماً.
ويوفر عدم الاستقرار الاقتصادي والصراع والفساد وضعف إنفاذ القانون في بعض أجزاء العالم النامي أرضاً خصبة لازدهار العصابات الإجرامية، كما أن الطلب المتزايد على المخدرات، خاصة في أوروبا، لا يحظى بالاهتمام الكافي.
ويعد العالم القديم الآن أكبر سوق للكوكايين، ولا يزال التوسع مستمراً، كما أن آسيا وأفريقيا تعانيان ارتفاعاً متواصلاً في معدلات الإدمان. ومن المنتظر إخفاق جهود الحد من الإنتاج إذا استمر الطلب في التزايد، خاصة بعد أن أصبحت المخدرات القوية كالكوكايين مقبولة اجتماعياً في بعض الدول الأوروبية.
وغالباً ما يغض مسؤولو إنفاذ القانون الطرف عن حيازة الكوكايين واستخدامه على نطاق ضيق، كما يجادل البعض بأن التقنين هو الحل. يدّعي رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، الذي تعد بلاده أكبر منتج للكوكايين، أن هذا المخدر «ليس أسوأ من الخمور».
وهذا هراء خطِر، فالكوكايين مسبب للإدمان بدرجة كبيرة، وقد يكون قاتلاً؛ فقد تسبب في وفاة 29500 شخص في الولايات المتحدة وحدها عام 2023. وقد تراجعت كل من كولومبيا البريطانية وأوريغون بالفعل عن سياسة إلغاء تجريم المخدرات بعد الارتفاع الحاد للوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة.
إن أحد أفضل المسارات الممكنة هو حملة توعية عامة مصممة جيداً وممولة بشكل كافٍ، إلى جانب إجراءات إنفاذ صارمة من قبل الشرطة، فالمخدرات تدمر حياة المتعاطين وعائلاتهم.
وهي تحدث الخراب والتدمير في مجتمعات الدول المُنتجة والمستهلكة من خلال توفير الكثير من التمويل لجرائم القتل والرشوة والفساد، ناهيك عن تمويل إزالة الغابات وتلويث الأنهار.
إن المتعاطين للمخدرات الذين يجهلون عواقب إدمانهم بحاجة إلى سماع هذه الرسائل كثيراً. وعلى من يعتقدون أن حملات التوعية العامة لا تفلح في الحد من تعاطي المخدرات المسببة للإدمان، أن يفكروا في التبغ؛ ففي دول عدة متقدمة، وفي غضون جيلين، لم يعد التدخين شائعاً في المنازل والمكاتب، وأصبح نشاطاً لا يمارسه معظم الناس، ولا يُتسامح معه في الغالب.
وقد عاشت أوروبا والولايات المتحدة حياة هانئة دون الكوكايين والمخدرات المصنعة لقرون. ويجب عليهما أن يتعلما كيف يعيدان ذلك.
إن عالماً أقل اعتماداً على هذه المخدرات لن يكون أكثر صحة فحسب، بل سيكون أكثر أماناً أيضاً؛ لأنه سيحرم العصابات الإجرامية من مصدر قوتها وعنفها المدمر.