وتشير تقديرات «مورغان ستانلي»، إلى أن إجمالي الإنفاق العالمي في هذا القطاع، سيصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2029.
ولعل كارلوتا بيريز، صاحبة كتاب «الثورات التكنولوجية ورأس المال المالي: ديناميكيات الفقاعات والعصور الذهبية»، من أبرز الباحثين القادرين على وضع ظاهرة الذكاء الاصطناعي في سياقها التاريخي الصحيح.
فقد رصدت بيريز في كتابها خمس ثورات تكنولوجية كبرى: الثورة الصناعية أواخر القرن الثامن عشر، وثورة البخار والفحم والسكك الحديدية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وثورة الصلب والهندسة الثقيلة في سبعينيات القرن نفسه، ثم عصر الإنتاج الضخم مطلع القرن العشرين، وأخيراً ثورة تكنولوجيا المعلومات، التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي - وتعتبر بيريز أن الذكاء الاصطناعي مجرد امتداد لهذه الثورة الخامسة.
ومع ذلك، كثيراً ما تكون هذه الفقاعات منتجة في نهاية المطاف، إذ تتيح تمويل البنية التحتية الحيوية اللازمة لنشر التكنولوجيا على نطاق واسع في ما بعد - كبناء خطوط السكك الحديدية أو شبكات الكهرباء - لتتجلى بعدها الفوائد الاقتصادية الأوسع نطاقاً. أما في ما يخص الذكاء الاصطناعي، فما زلنا نعيش في خضم مرحلة تأسيسية محمومة.
ولم يقدم سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، أي طمأنينة هو الآخر، حين سُئل عن احتمال وجود فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ أجاب بصراحة: «أعتقد أن بعض المستثمرين مرشحون لخسارة مبالغ طائلة».
وبنبرة ساخرة، تضيف بيريز أن انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، قد يفضي إلى زلازل اقتصادية أعمق، في ظل اختلال أداء أسواق المال العالمية، التي باتت تنصب على المضاربات، كالعملات المشفرة، أكثر من الاستثمارات المنتجة، في وقت تجاوزت فيه الديون العالمية ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتحذر بقوة قائلة: «قد يشكل هذا المزيج شرارة لاضطراب مالي غير مسبوق».
وها هو روبوت «شات جي بي تي» يستقطب 700 مليون مستخدم أسبوعياً، بعد أقل من ثلاث سنوات على إطلاقه، لكن إذا كانت العولمة الرقمية توسع دائرة الفرص، فإنها تضاعف المخاطر أيضاً - ولنا في نموذج «ديب سيك» الصيني منخفض التكلفة عبرة، والذي تسبب في هزة لأسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية.
وبوسع شركات الذكاء الاصطناعي استغلال تفوقها التقني للتحول إلى لاعب رئيس في قطاعات الرعاية الصحية، أو اكتشاف الأدوية، أو المركبات ذاتية القيادة.
فإلى أي مدى يمكنها أن تتحول إلى كيانات متعددة الأغراض تقطف ثمار العصر الذهبي؟.
إن بيريز تشدد على ضرورة استخلاص درس جوهري آخر من الثورات السابقة، إذ لا سبيل لبلوغ عصر ذهبي، دون أن يصوغ المجتمع المدني الثورة وفق مصالحه.
فالساسة في الماضي أسسوا هيئات مكافحة الاحتكار، لكبح جماح الشركات المتغولة، وأرسوا دعائم دولة الرفاه، للتخفيف من صدمات سوق العمل.
وترى بيريز أن خلل الأسواق المالية اليوم، وتركيز القوة بيد عدد قليل من الشركات، وصعود الشعبوية، والتهديد المناخي، قد دفعت العالم إلى منعطف تاريخي جديد.
أما كيفية الاستجابة لهذه التحولات، فهو ما سيتناوله كتابها القادم.
لكن في كل الأحول، يعلمنا، كما كتب المؤرخ إيه جيه بي تايلور ذات مرة عن ثورات 1848 الأوروبية، أن الشعوب قد تصل أحياناً إلى منعطفات تاريخية حاسمة - ثم تفشل في دخول المنعطف.
