تركز شركات التكنولوجيا العملاقة كثيراً على قطاع الطاقة، حيث تتطلب مراكز البيانات الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي إمدادات إضافية من الكهرباء، الأمر الذي يزيد من أعباء التحول في قطاع الطاقة وتحدياته.

غير أن الفرصة تبدو واعدة لأن تتجاوز المنافع المناخية للذكاء الاصطناعي - مستقبلاً - تكاليفه وتأثيراته السلبية.

وتتجلى المعضلة بوضوح في الوقت الراهن، فقد دفعت طفرة الذكاء الاصطناعي إلى تسابق محموم لتشييد محطات طاقة تعمل بالغاز الطبيعي.

وبسبب التذبذب في إنتاج الطاقة المتجددة، سيكون من الصعب تحويل مراكز البيانات إلى منشآت صديقة للبيئة بالكامل، الأمر الذي يوضح سبب توجه عمالقة التكنولوجيا كشركة جوجل نحو تقنيات الاندماج النووي التي لا تزال في طور التنظير العلمي.

ومع أن الطلب المرتبط بالذكاء الاصطناعي يُعد إضافة جديدة إلى خطط التحول في قطاع الطاقة، إلا أنه سيبقى، من حيث الحجم المطلق، جزءاً صغيراً نسبياً من النظام الكلي.

ولتوضيح الصورة، تستهلك مراكز البيانات نحو 415 تيراواط/ساعة من الكهرباء — أي ما يعادل حوالي 1.5% من إجمالي الطلب العالمي، وذلك وفقاً لبيانات لوكالة الدولية للطاقة.

ورغم أن الوكالة تتوقّع أن يتضاعف هذا الرقم ليصل إلى 945 تيراواط/ساعة بحلول عام 2030، إلا أن السيارات الكهربائية وأنظمة التكييف ستستحوذ على حصة أكبر في نمو الطلب على الطاقة.

في الوقت ذاته، يُرجح أن يتجاوز نطاق تأثير الذكاء الاصطناعي بصمته في استهلاك الطاقة بمراحل، حيث يُنتظر أن تعزز هذه التقنية كفاءة معظم أنشطتنا الحياتية.

وعلى الرغم من أن تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون اليوم - من منظور تغير المناخ - يفوق قيمة تخفيضها غداً، إلا أن تحليل الأرقام المعنية يشير إلى أنه لو أسهم الذكاء الاصطناعي ولو بتوفير متواضع في مجمل استهلاك الكهرباء، فسيحقق ذلك مردوداً إيجابياً صافياً لمسيرة التحول في قطاع الطاقة.

وتتعزز احتمالية هذا السيناريو كون بعض قطاعات منظومة الطاقة تعاني من قدر هائل من عدم الكفاءة.

ووفقاً لشركة الاستشارات «ثاندر سيد إنرجي»، تستهلك سلاسل توريد المواد الأساسية، التي تنتج سنوياً نحو 60 مليار طن من الصلب والزجاج والهيدروجين والأمونيا والنحاس وغيرها، طاقة تعادل أربعة إلى خمسة أضعاف الحد الأدنى المطلوب وفقاً للتفاعلات الكيميائية الأساسية اللازمة للإنتاج.

وهذا يمثل فرصة واعدة لتحسين شامل، فالبحث عن مواد أو محفزات أو عمليات إنتاج جديدة أكثر كفاءة يُعدّ من المسائل المعقدة التي يصعب حلها، والتي يطلق عليها مجازاً «إبرة في كومة قش»، وهذه من نوعية التحديات التي يُجيد الذكاء الاصطناعي التعامل معها، وقد أثبت بالفعل نجاحاً في هذا السياق داخل قطاع التكنولوجيا الحيوية.

وفي مجال البطاريات، تحتدم المنافسة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث عن مواد أفضل، بل وحتى في السعي لتحقيق اختراق تقني في مجال الأجهزة الصلبة، والتي يُفترض أن تكون أصغر حجماً، وأخف وزناً، وقادرة على تخزين الطاقة لأوقات ومسافات أطول في قطاع النقل.

ويشير سايمون بينيت من الوكالة الدولية للطاقة إلى أن شركة «مايكروسوفت»، على سبيل المثال، تعاونت مع مختبر حكومي أمريكي لفحص عشرات الملايين من المواد الجديدة التي يمكن أن تُستخدم كإلكتروليتات صلبة لبطاريات الليثيوم، وتم تقليص القائمة إلى 23 مرشحاً يُحتمل أن تكون قابلة للاستخدام.

وهناك العديد من الجهات الأخرى التي توظف نماذج الذكاء الاصطناعي للبحث الدقيق في قواعد المعلومات أيضاً، وهذه تعد من «الثمار الدانية».

ومع ازدياد انتشار الأجهزة الذكية وأجهزة الاستشعار، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تقليص الهدر في مجالات إنتاج الطاقة والنقل وغيرها.

وبينما يكتنف الغموض الكثير من التطبيقات المحتملة، يمتلك هذا المجال قدرة استثنائية على إحداث تحول إيجابي جذري في عالم الطاقة.