قد يحاول المؤرخون يوماً ما إعادة بناء كيفية وصول إدارة ترامب إلى معدلات التعريفات الجمركية التي أعلنتها منذ ساعات، لكن حينها، ستكون العملية مجرد دراسة أكاديمية.

أما الآن، فالمهم هو أن الولايات المتحدة اتخذت موقفاً عدائياً بشكل غريب تجاه شركائها التجاريين، تاركةً الدول - والمستثمرين - في حيرة من أمرهم، حول سؤال ضروري:

إلى متى سيصمد الجميع في ظل هذا الوضع. فقد كان إجماع وول ستريت على «يوم التحرير»، أن متوسط معدل التعريفات الجمركية الأمريكية سيكون بين 10 - 20 %، مع ميل معظم المحللين إلى النصف الأدنى من المعدل.

إن الجمع المعلن بين الحد الأدنى، أي معدل 10 في المئة، ومعدلات أعلى بكثير على دول محددة، يدفع الرقم إلى الحد الأعلى من هذا النطاق، وربما أعلى من ذلك بكثير. لذلك، يحسب نيل شيرينج في كابيتال إيكونوميك معدلاً متوسطاً بنسبة 19 %.

بينما قام عمير شريف من «إنفليشن إنسايتس» بإدارة الأرقام، وتوصل إلى تقدير يتراوح بين 25 و30 %. ومن سمات البيت الأبيض في عهد ترامب، أن مثل هذا الإعلان الهام، من شأنه أن يترك مجالاً للاختلاف حول الحقائق.

ويعتبر معدل التعريفات الجمركية على الصين ودول آسيوية، مثل فيتنام وكمبوديا وإندونيسيا، مرتفعاً بشكل كبير. وتواجه الصين تعريفات جمركية إجمالية تزيد على 50 % - ويمكن أن ترتفع أكثر من ذلك – وكان من الواضح أن الإدارة الأمريكية حريصة على خنق أي سلسلة توريد قد تعمل كوسيط أو بديل صيني.

وكما كان متوقعاً ومأمولاً، لم يتم فرض تعريفات جمركية إضافية على كندا والمكسيك، ما ترك السلع المشمولة باتفاقية التجارة الأمريكية المكسيكية الكندية (التي تفاوض عليها ترامب)، سالمة إلى حد كبير في الوقت الحالي.

وهذا يعني أن معدل التعريفة الجمركية الفعلي للسيارات المصنعة في أمريكا الشمالية، سيكون على الأرجح أقل من نسبة 25 % المفروضة على السيارات من بقية العالم.

ومع ذلك، فإن هذا الجانب الحمائمي غارق في الغموض. فقد تم إعفاء المجالات التي يُتوقع فرض تعريفات جمركية قطاعية عليها - الأدوية والنحاس والأخشاب - على وجه التحديد، من المعدلات الوطنية. ولكن من المؤكد أن هذا تأخير، وليس إعفاءً مؤقتاً.

والأهم من ذلك، أن نطاق التفاوض غير واضح بدرجة كبيرة. عندما سُئل وزير الخزانة، سكوت بيسنت، عن هذا الأمر، تحدث وكأنه رجل لم يُطلع على الوضع: «الأمر متروك للرئيس ترامب، ليرى ما يريد فعله، أعتقد أن التوجه هو ترك الأمور تستقر لفترة من الوقت».

لكن ماذا تحمل هذه الرسوم للأسواق؟ بينما نكتب هذه السطور، تبدو الأمور قبيحة بدرجة كبيرة.

فقد انخفضت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك 100، والعقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500. كما انخفض سعر البيتكوين، الأصل الذي لا يتحوط من المخاطر.

وارتفع سعر الذهب، الذي يتحوط من المخاوف. وفي هروب تقليدي نحو الملاذ الآمن، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بجميع آجال الاستحقاق، ما أضعف الدولار.

لكن لا شيء مما قد يحدث في الأسواق - صعوداً أو هبوطاً أو انخفاضاً – سيكون مفاجئاً كثيراً، حيث سيستغرق استيعاب الأخبار وقتاً. ولكن إليكم بعض الأفكار الأولية حول التداعيات:

- النمو: سيكون هناك انخفاض. هذه ضريبة جديدة ضخمة، ومع ثبات جميع العوامل الأخرى، فإن الضرائب تُعيق النمو. سيكون التأثير السلبي في الناتج المحلي الإجمالي، أكبر من النسبة المتوقعة (0.5 - 1 %)، لأن إنفاق المستهلك الأمريكي ومعنوياته، قد بدأت بالتباطؤ لأسباب دورية.

وستؤدي الصدمة الجديدة إلى مزيد من الانخفاض في الإنفاق، ما سيؤدي إلى انخفاض في فرص العمل، وزيادة في تسريح العمال، وانخفاض في الدخل، ومزيد من انخفاض الإنفاق. وقد زادت احتمالات الركود، حسبما يتوقع مات جيرتكين، كبير الاستراتيجيين الجيوسياسيين في «بي سي إيه ريسيرتش».

- التضخم: سيكون أعلى، على الأقل في المدى القصير. ويشير صامويل تومبس من «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، إلى أنه إذا دخلت جميع هذه التعريفات حيز التنفيذ، وارتفعت التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك إلى 25 %، فسيؤدي ذلك إلى «رفع مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي الأساسي بنحو 2 %».

ولا يغرنكم انخفاض التضخم بعد التعريفات خلال ولاية ترامب الأولى، حيث يشير الخبير الاقتصادي آدم بوسن، إلى أن «هذه التعريفات أكبر بعشرة أضعاف، وأوسع نطاقاً بكثير، عبر البلدان والقطاعات، وأكثر تعسفاً في تطبيقها».

- سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية: من السابق لأوانه الحكم، لكن يعقد تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار كلا جانبي تفويض الاحتياطي الفيدرالي، ويُلمّح إلى ركود تضخمي. وكان الاحتياطي الفيدرالي يتوقع بالفعل شيئاً من هذا القبيل.

لكن إعلان التعريفات كان أكثر دراماتيكية مما توقعته لجنة السياسة، وذلك وفقاً لكلوديا سهام من شركة نيو سينشري أدفايزرز.

وعقب الإعلان، رفعت سوق العقود الآجلة تقديراتها لعدد تخفيضات الاحتياطي الفيدرالي هذا العام. وتعتقد سهام أن هذا قد يكون خطأً. وبعد سنوات من التضخم «ينحاز الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض التضخم. سيترددون في التخفيض»، كما قالت.

- الأسهم: سيكون توجهها هبوطياً، أما توجه سندات الخزانة فسيكون صعودياً. وكما يقول جريجوري بيترز من شركة بي جي آي إم للدخل الثابت، فإن: «هذه بيئة محفوفة بالمخاطر، حيث لا يتمتع المستثمرون بأي ميزة [معلوماتية].

وفي هذه النوعية من البيئات، عليك أن تُقلل من المخاطرة». «الشيء الوحيد الذي أشعر بالثقة فيه إلى حد كبير، هو سوق أسعار الفائدة... هذه الأخبار تؤدي إلى خفض توقعات النمو»، ما يدعم سندات الخزانة.

- سندات الخزانة المرتبطة بالتضخم: النظرة تفاؤلية. وكما يقول إدوارد الحسيني من كولومبيا ثريدنيدل: «إنني أكرهها في أغلب الأحيان، لكنها تمنحك ميزة انخفاض العائدات في الأسواق، نظراً لانخفاض المخاطر.

وقد يكون لديك أيضاً دافع تضخمي. تحقق سندات الخزانة المحمية من التضخم أفضل أداء لها، عندما يكون التضخم عند نقطة التعادل مرتفعاً، والعائد الحقيقي في انخفاض. وقد لا نستمر في هذا النوع من البيئة طويلاً، ولكن يبدو أننا كذلك في الوقت الحالي».

عموماً، فقد أسس ترامب لنمط من التصريحات الجريئة، التي تتبعها تراجعات متسرعة، وقد يكون هذا هو الحال مرة أخرى هذه المرة. لكن الأمر هذه المرة كان مختلفاً، سواء بسبب الضجة التي سبقت الانتخابات، أو بسبب العدد الهائل من الالتزامات التي قُطعت في ذلك اليوم. ويتوقع أن تكون هناك بعض التحولات المفاجئة في الأشهر المقبلة.