بيليتا كلارك
تخيّلوا هذا المشهد: شركات عالمية تطرح منتجاً ثورياً يُحدث تحولاً جذرياً في أنماط الحياة اليومية، لكن العلماء أخذوا يطلقون تحذيرات صارخة من مخاطره المحتملة، وبينما تسعى عشرات الدول للتوصل إلى اتفاق دولي يقيّد استخدامه، تقف دول أخرى في وجه هذه الجهود، معرقلة أي خطوات فعّالة للحد منه.
هذا المشهد يلخص عقوداً من مفاوضات الأمم المتحدة الرامية إلى كبح الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، المسبب الأكبر لتغيّر المناخ، لكنه يلخص أيضاً أحدث المساعي لوقف آفة التلوث البلاستيكي، ضمن مفاوضات منفصلة تجريها الأمم المتحدة.
وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن هذه النفايات في طريقها للزيادة بنحو 3 أضعاف بحلول عام 2060.
وجاء اجتماع جنيف لصياغة أول اتفاق دولي ملزم قانوناً للتصدي للنفايات البلاستيكية التي تخنق المحيطات، وتهدد الصحة العامة، وتفاقم التلوث الكربوني، لكن لم تتم الموافقة على المعاهدة العالمية في اجتماع أمس الأول (الخميس).
ولا يزال التفاوض بشأن المعاهدة جارياً، مع عقد الاجتماع القادم في وقت لاحق من هذا العام، وكانت هذه هي أحدث جولة دبلوماسية أممية كبرى منذ تولي دونالد ترامب مقاليد الحكم في يناير الماضي، وتعكس مآلاتها واقع العمل متعدد الأطراف في ظل اضطرابات جيوسياسية متصاعدة.
وتُصنع البلاستيكيات من مواد بتروكيماوية مشتقة من الوقود الأحفوري، وفي حين يتجه العالم نحو السيارات الكهربائية وغيرها من التقنيات الخضراء، تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن البتروكيماويات ستصبح المحرك الأساسي لنمو الطلب العالمي على النفط بدءاً من 2026.
ولذلك هناك رهانات كبيرة للاقتصادات المعتمدة على النفط والغاز على محادثات جنيف، حيث تتطلع العديد من الدول بصورة منطقية إلى فرض سقف عالمي لإنتاج البلاستيك، فضلاً عن إجراءات ملزمة قانوناً للتخلص التدريجي من المنتجات والمواد الكيميائية البلاستيكية الأكثر ضرراً.
وأكد وزراء من الاتحاد الأوروبي جاهزيتهم لإبرام اتفاق، «لكن ليس بأي ثمن»، وذلك بعدما سبق للتكتل الأوروبي أن فرض إجراءات صارمة ضد أسوأ أنواع التلوث الناجم عن البلاستيك أحادي الاستخدام.
حيث يسعى حالياً لمعاهدة ذات سقف طموح، ويمثل هذا الانقسام العقبة الأبرز التي حالت دون إتمام المفاوضات وفق الجدول الزمني الأصلي الطموح، الذي كان يستهدف إبرام المعاهدة الجديدة بحلول نهاية العام الماضي.
وفشلت مفاوضات معاهدة التلوث البلاستيكي في التوصل مبكراً إلى قواعد تسمح بالتصويت بالأغلبية، وهو ما أثار حيرة بعض المراقبين.
وفي هذا السياق، يقول ماغنوس لوفولد، خبير المعاهدات الدولية في الأكاديمية النرويجية للقانون الدولي: «هناك نفور غريب من آليات اتخاذ القرار بالأغلبية في المجال البيئي، وأجد ذلك أمراً غريباً للغاية».
وتقف الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، في صف المعارضين لما وصفته بأهداف إنتاج «غير واقعية» ولفرض قيود على المواد المضافة التي من شأنها رفع تكلفة المنتجات البلاستيكية.
ولا يمثل هذا الموقف تحولاً جديداً في السياسة الأمريكية، إذ سبق لإدارة بايدن أن تحفظت على فرض قيود إنتاجية، مفضلة دعم مبادرات تعزز إعادة التدوير وإعادة الاستخدام.
غير أن المعضلة تكمن في أن عملية إعادة التدوير تواجه تحديات جمة حتى في أكثر الاقتصادات ثراءً، ما يفسر تقديرات خبراء القطاع بأن 9 % فقط من النفايات البلاستيكية العالمية تخضع لإعادة التدوير. وتزداد الصعوبات حدة في الدول منخفضة الدخل التي تكافح أصلاً لتأمين بنية أساسية لجمع النفايات وفرزها.
وتبرز أهمية وضع أطر تنظيمية عالمية لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة، وهو ما دفع شريحة واسعة من الشركات للتعليق على اجتماع جنيف، على أمل أن يُثمر عما يصفه «تحالف الأعمال من أجل معاهدة عالمية بشأن البلاستيك» بـ«معاهدة أممية فعالة وملزمة قانوناً لإنهاء التلوث البلاستيكي»، ويضم هذا التحالف شركات مثل والمارت وكوكا كولا وبيبسيكو.
وفي خضم هذه التطورات، توجهت الأنظار صوب الصين، التي أكدت مراراً التزامها بمبدأ التعددية في العمل الدولي، ولم تُظهر أي ميل لاتباع خطى واشنطن في الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ عام 2015، ما يعزز آمال المراقبين بإمكانية سد الفراغ الذي أحدثه ترامب في مفاوضات المناخ العالمية، إلا أن الصين لم تبادر بعد إلى اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، وظل موقفها في محادثات جنيف غامضاً وصعب التفسير.