ومن خلال محادثاتي مع قادة الشركات وكبار المسؤولين في البلدين تبين لي أن العلاقة الاقتصادية بينهما تغيرت جذرياً.
فقد باتت اعتبارات الجغرافيا السياسية والأمن القومي ومرونة سلاسل الإمداد تؤثر في القرارات الاقتصادية بقدر تأثير عوامل التكلفة والكفاءة التي كانت مهيمنة في السابق.
ومع ذلك، لم يعد الاعتماد على الإنتاج الأرخص، والمخزونات الفورية، وسلاسل الإمداد المباشرة والسلسة كافياً لقيادة العلاقات التجارية كما كان في الماضي.
وتدفع الشركات بشكل متزايد ما يشبه «قسط تأمين» لضمان توافر الإمدادات وقابليتها للتوسع، واضعة الأمن في مرتبة أعلى من الكلفة.
كذلك، أصبحت المخزونات أعمق لكنها أقل كفاءة، والتكاليف أعلى، كما ارتفع مستوى التدقيق الجيوسياسي.
وفي المقابل، تضاعفت حصة فيتنام، وأصبحت المكسيك الشريك التجاري الأكبر لأمريكا.
ورغم أن أياً من الأسواق الأخرى لا يستطيع أن يضاهي حجم السوق الصينية، فإن الشركات تبني اليوم شبكات متعددة المراكز، وغالباً ما تصطحب شركاءها الصينيين إلى أسواق جديدة لتقليل مخاطر الاضطراب.
وانسحب المستثمرون الغربيون، خصوصاً من القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا، مدفوعين جزئياً بالقلق إزاء أداء الاقتصاد الصيني، لكن الأرجح أن ذلك يأتي في إطار التحوط من المخاطر الجيوسياسية. وفي الواقع، فإن معظم الشركات باتت تدرس حالياً استراتيجية «الصين من أجل الصين».
وفي الوقت نفسه، يواصل الاقتصاد الصيني المحلي التقدم، إذ حقق قفزات سريعة على منحنى التصنيع المتقدم، ويبدو عازماً على ترسيخ مكانته قوة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا. ومع ذلك، يبقى الاستثمار الأجنبي المباشر عند مستويات متدنية.
وينبغي لصانعي السياسات العمل على تحقيق هذا الهدف الجدير بالاهتمام، شريطة أن يتم ذلك بما يتوافق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي.
على الجانب الآخر، انخفضت الاستثمارات الصينية الجديدة في الولايات المتحدة بأكثر من 95 % عن ذروتها في عام 2016، وأعيد توجيه رأس المال بسرعة نحو شركاء في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
وينبغي أن تحدد المفاوضات التجارية المستقبلية القطاعات داخل الاقتصاد الأمريكي التي يسمح فيها بالاستثمار الصيني.
فعدم اليقين التنظيمي، ومتطلبات توطين البيانات، والمراجعات المتعلقة بالأمن القومي، وضوابط رأس المال، جميعها عناصر تدخل في هذا الحساب. وبات توجيه رؤوس الأموال يتم بحذر أكبر، مع تركيز متزايد على المدى القصير.
وتسعى الشركات إلى الاستثمار في «خيارات متعددة» عبر تنويع مواقعها الجغرافية، ووضع استراتيجيات امتثال محلية، والاستعداد لتحولات مفاجئة في السياسات.
إن بيئة «الاعتماد الاستراتيجي المتبادل» هذه ليست مسألة تفكيك للروابط العالمية، بل إعادة تعريفها وفق متغيرات جديدة.
والشركات التي أراها تحقق النجاح هي تلك التي تطور معلومات أكثر تفصيلاً، وتتمتع بمرونة أكبر، ولديها فهم عميق للظروف المحلية.
ولأن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تبقى الأهم في عصرنا الحالي، فإنه ينبغي على الشركات أن تدرك هذا التعقيد وتتأقلم مع هذا الواقع الجديد.
