بارني جوبسون - ناسوس ستايليانو
عبّدت الجرارات الأرض الجافة، ثم اخترقتها صفوف من القضبان الحديدية التي تدعم آلاف الألواح الشمسية، التي يثبتها عمال الإنشاءات تحت درجة حرارة عالية.
وعلى هذه الأرض تصطف بكرات الكابلات وصناديق المعدات الكهربائية المستوردة من الصين، بانتظار ربطها بشبكة الكهرباء مطلع العام المقبل.
ومنذ توليه السلطة عام 2018، شيد مطورو الطاقة مشاريع عدة أثبتت أن إنتاج الكهرباء من الشمس يدر عوائد مجزية، جذبت بالفعل رؤوس أموال من مستثمرين متعطشين للأرباح.
وقد دفع التنافس المحموم بين اللاعبين في سوق الدمج والاستحواذ أسعار المشروعات القائمة إلى مستويات عليا.
وقد حصد المستخدمون منافع هذا التطوير، إذ حرر توفر كهرباء رخيصة البلاد من القلق الشائع في أوروبا بشأن فواتير الطاقة.
وهبطت الأسعار نتيجة لذلك، ما خفض أرباح مالكي المشروعات.
وعلى مدى العام الماضي، سجلت أسعار الكهرباء بالجملة «لليوم التالي» إما صفراً أو مستويات سالبة في 10% من الأوقات، بحسب البيانات الصادرة عن «ريد إليكتريسيا» المشغلة لشبكة الكهرباء.
وفي مايو الماضي، سجلت الأسعار إما صفراً أو دون ذلك في ثلث الشهر.
وقد تلقى بعض مشغلي الطاقة الشمسية بالفعل أوامر من «ريد إليكتريسيا» بإيقاف التشغيل ضمن مساعٍ لكبح تخمة المعروض، وذلك عن طريق أوامر «التقليص» التي لا يتلقون تعويضاً عنها دائماً.
ومما فاقم الصدمة انقطاع الكهرباء واسع النطاق الذي لحق بشبه الجزيرة الإيبيرية في أواخر أبريل الماضي، والذي بدأ في إسبانيا وحرم 58 مليون شخص من الطاقة لخمس ساعات على الأقل، وشهدت بعض الأماكن انقطاعاً للتيار لأطول من ذلك.
وتوصلت الحكومة إلى أن الطاقة الشمسية لم تسبب انقطاع الكهرباء، غير أن حصتها الكبيرة في مزيج الطاقة كان عاملاً مهماً في فهم ما حدث.
وأفاد مستثمرون وشركات للطاقة، بأن الانقطاع واسع النطاق للكهرباء أكد شكوكهم بشأن كفاءة نظام الكهرباء الإسباني.
وهم لا يشككون في الدور المحوري الذي تؤديه الطاقة الشمسية في التحول إلى طاقة نظيفة، لكنهم قالوا إن إسبانيا لم تتكيف بعد مع اعتمادها الكبير على الطاقة الشمسية، ما قد يُعزى إلى إغفال الأمر أو الإفراط في الثقة.
والأسعار والطلب منخفضان للغاية، في حين تتأخر البلاد عن اللحاق بركب التطور من حيث بنية شبكتها للكهرباء، وكذلك استخدام بطاريات التخزين.
ويبدو أن طفرة الطاقة الشمسية قد تمادت للغاية، وربما بسرعة كبيرة في بلد بات يمثل حالة اختبار لجدوى مصادر الطاقة المتجددة.
وتُباع مشروعات الطاقة الشمسية التي كانت تجني 200.000 يورو للميغاواط قبل عامين،مقابل ما يراوح بين 28,000 و89,000 يورو في السوق، بحسب منصة «إن تيزر» للصفقات.
ومع ذلك، فمن المفترض أن تستمر عمليات التطوير على قدم وساق.
وتتمتع إسبانيا حالياً بـ36 غيغاواط من قدرات الطاقة الشمسية، وتستهدف الحكومة الوصول إلى 76 غيغاواط بحلول عام 2030.
وقد استخدمت حكومة يسارية سابقة الإعانات لتشجيع النهوض بقطاع الطاقة الشمسية الناشئ، لكن مع تعمق تداعيات الأزمة المالية في منطقة اليورو، اضطرت حكومة محافظة لاحقة إلى التخلي عن تقديم هذا الدعم بين عامي 2012 و2013 ضمن جهود كانت تستهدف تقليص الدين العام، لكن سانشيز ساعد على إعادة شحذ همة طفرة الطاقة الشمسية عبر التزامات بإزالة الكربون.
ورغم أنه لم يقدم إعانات، ولا تخفيضات ضريبية مثل تلك التي قدمها جو بايدن في الولايات المتحدة بموجب قانون الحد من التضخم شبه المُلغى، ولا حتى ضمانات أسعار ثابتة مثل تلك التي تقدمها المملكة المتحدة لمولدي الطاقة من مصادر متجددة، فإنه ما كان يهم المستثمرين هو تأكيد سانشيز على عدم التراجع من جديد.
وأكدت الحكومة أن هذه الشركات فشلت في تخفيف زيادة الجهد بالشبكة، لكن تقريراً رسمياً سلط الضوء على مسألة أخرى، وهي أن زيادة الجهد كانت مرتبطة بعدم الاستقرار في إحدى محطات الطاقة الشمسية؛ ففي الساعة 12:03، ولدت محطة لم يُكشف عن اسمها تقع في مدينة بطليوس غربي إسبانيا تذبذباً «غير طبيعي» في تردد الشبكة، ويُقصد بذلك معدل تناوب التيار الكهربائي.
وقد كان هذا التذبذب كبيراً إلى درجة رصده في كل من فرنسا وألمانيا.
وبدلاً من ذلك، يعتمد نظام الكهرباء الإسباني حالياً على شبكة من محطات الطاقة المتجددة الأصغر حجماً تنتشر في المناطق الريفية، ومنها 54.000 مرفق للطاقة الشمسية.
وتولد هذه المحطات الطاقة بصورة متقطعة وفق الغطاء السحابي ودوران الأرض، وهي بذلك لا تساعد على استقرار تردد الشبكة والجهد بالطريقة ذاتها التي تفعلها توربينات الغاز العملاقة والمحطات النووية.
وهكذا، فإن إسبانيا شجعت الاستثمار في محطات الطاقة الشمسية، إلا أنها أهملت الاستثمار في شبكة الكهرباء.
وتشير «بلومبرغ إن إي إف» إلى أن البلاد كانت الأكثر تقشفاً في أوروبا منذ عام 2020، ولم تستثمر إلا 0.30 دولار في الشبكة مقابل كل دولار يُستثمر في مصادر الطاقة المتجددة، ويأتي ذلك في مقابل المتوسط الأوروبي البالغ 0.70 دولار، وهذه مشكلة.
