بارني جوبسون - ناسوس ستايليانو

عبّدت الجرارات الأرض الجافة، ثم اخترقتها صفوف من القضبان الحديدية التي تدعم آلاف الألواح الشمسية، التي يثبتها عمال الإنشاءات تحت درجة حرارة عالية.

وعلى هذه الأرض تصطف بكرات الكابلات وصناديق المعدات الكهربائية المستوردة من الصين، بانتظار ربطها بشبكة الكهرباء مطلع العام المقبل. 

يقع المشروع في بلدة بيلينتشون، على بعد 50 كيلومتراً جنوب مدريد، وهو واحد من مساحات شاسعة تتلألأ تحت شمس إسبانيا، غُطيت بمستطيلات من السيليكون الأسود، لكنه ربما يمثل الفصل الأخير في حقبة النمو المتسارع لقطاع الطاقة الشمسية.

خلايا الألواح الضوئية هذه هي حجر الأساس في الطفرة التي انطلقت شرارتها مع رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، الذي شجع -بفضل دعمه القوي للطاقة المتجددة، إلى جانب وفرة أشعة الشمس الإسبانية- موجة بناء كبيرة لمحطات الطاقة الشمسية.

ومنذ توليه السلطة عام 2018، شيد مطورو الطاقة مشاريع عدة أثبتت أن إنتاج الكهرباء من الشمس يدر عوائد مجزية، جذبت بالفعل رؤوس أموال من مستثمرين متعطشين للأرباح.

لقد أضافت إسبانيا خلال عامي 2023 و2024 قدرات للطاقة الشمسية بصورة تتخطى أي دولة أوروبية أخرى -بخلاف ألمانيا التي يبلغ حجم اقتصادها أكثر من ضعف الاقتصاد الإسباني.

وقد دفع التنافس المحموم بين اللاعبين في سوق الدمج والاستحواذ أسعار المشروعات القائمة إلى مستويات عليا.

وخلال فترات في فصل الربيع، يتم توليد ما يصل إلى 60% من الكهرباء الإسبانية من الطاقة الشمسية، وهو ما مكن إسبانيا من خفض استخدامها محطات الطاقة التي يشغلها الغاز والفحم.

وقد حصد المستخدمون منافع هذا التطوير، إذ حرر توفر كهرباء رخيصة البلاد من القلق الشائع في أوروبا بشأن فواتير الطاقة.

ووصف سانشيز بلاده بأنها «معيار عالمي» في التحول إلى الطاقة الخضراء الخالية من الانبعاثات الكربونية، مع تحمل أوروبا، وهي أسرع القارات احتراراً، لأعباء التغير المناخي، لكن إسبانيا طورت الكثير من قدرات الطاقة الشمسية إلى درجة أنها تنتج كهرباء أكثر مما تحتاج في أوقات بعينها من اليوم.

وهبطت الأسعار نتيجة لذلك، ما خفض أرباح مالكي المشروعات.

وعلى مدى العام الماضي، سجلت أسعار الكهرباء بالجملة «لليوم التالي» إما صفراً أو مستويات سالبة في 10% من الأوقات، بحسب البيانات الصادرة عن «ريد إليكتريسيا» المشغلة لشبكة الكهرباء.

وفي مايو الماضي، سجلت الأسعار إما صفراً أو دون ذلك في ثلث الشهر.

الكهرباء المجانية أمر رائع للمستهلكين، لكنها سلبية لمشغلي المشروعات.

وقد تلقى بعض مشغلي الطاقة الشمسية بالفعل أوامر من «ريد إليكتريسيا» بإيقاف التشغيل ضمن مساعٍ لكبح تخمة المعروض، وذلك عن طريق أوامر «التقليص» التي لا يتلقون تعويضاً عنها دائماً.

ومما فاقم الصدمة انقطاع الكهرباء واسع النطاق الذي لحق بشبه الجزيرة الإيبيرية في أواخر أبريل الماضي، والذي بدأ في إسبانيا وحرم 58 مليون شخص من الطاقة لخمس ساعات على الأقل، وشهدت بعض الأماكن انقطاعاً للتيار لأطول من ذلك.

وتوصلت الحكومة إلى أن الطاقة الشمسية لم تسبب انقطاع الكهرباء، غير أن حصتها الكبيرة في مزيج الطاقة كان عاملاً مهماً في فهم ما حدث.

وأفاد مستثمرون وشركات للطاقة، بأن الانقطاع واسع النطاق للكهرباء أكد شكوكهم بشأن كفاءة نظام الكهرباء الإسباني.

وهم لا يشككون في الدور المحوري الذي تؤديه الطاقة الشمسية في التحول إلى طاقة نظيفة، لكنهم قالوا إن إسبانيا لم تتكيف بعد مع اعتمادها الكبير على الطاقة الشمسية، ما قد يُعزى إلى إغفال الأمر أو الإفراط في الثقة.

والأسعار والطلب منخفضان للغاية، في حين تتأخر البلاد عن اللحاق بركب التطور من حيث بنية شبكتها للكهرباء، وكذلك استخدام بطاريات التخزين.

ويبدو أن طفرة الطاقة الشمسية قد تمادت للغاية، وربما بسرعة كبيرة في بلد بات يمثل حالة اختبار لجدوى مصادر الطاقة المتجددة.

وبينما تقترب مشروعات قائمة بالفعل مثل «زيليسترا» من الاكتمال، فإن هناك توقعات بتباطؤ حاد في إكمال المشروعات خلال عام 2026. وشهد نشاط الدمج والاستحواذ تحولاً إلى البيع بأسعار تصفية.

وتُباع مشروعات الطاقة الشمسية التي كانت تجني 200.000 يورو للميغاواط قبل عامين،مقابل ما يراوح بين 28,000 و89,000 يورو في السوق، بحسب منصة «إن تيزر» للصفقات.

وقال ماريو رويز تاغلي، الذي يرأس الأعمال الإسبانية لدى «إيبردرولا» وهي أكبر شركة للمرافق في أوروبا: «يعاني القطاع تبعات فائض العرض، ويترك هذا تداعيات فادحة على ربحية مشروعات الطاقة الشمسية».

ومع ذلك، فمن المفترض أن تستمر عمليات التطوير على قدم وساق.

وتتمتع إسبانيا حالياً بـ36 غيغاواط من قدرات الطاقة الشمسية، وتستهدف الحكومة الوصول إلى 76 غيغاواط بحلول عام 2030.

ووضع سانشيز حداً لكبوة الطاقة المتجددة في إسبانيا حينما أصبح رئيساً لحكومة البلاد الاشتراكية.

وقد استخدمت حكومة يسارية سابقة الإعانات لتشجيع النهوض بقطاع الطاقة الشمسية الناشئ، لكن مع تعمق تداعيات الأزمة المالية في منطقة اليورو، اضطرت حكومة محافظة لاحقة إلى التخلي عن تقديم هذا الدعم بين عامي 2012 و2013 ضمن جهود كانت تستهدف تقليص الدين العام، لكن سانشيز ساعد على إعادة شحذ همة طفرة الطاقة الشمسية عبر التزامات بإزالة الكربون.

ورغم أنه لم يقدم إعانات، ولا تخفيضات ضريبية مثل تلك التي قدمها جو بايدن في الولايات المتحدة بموجب قانون الحد من التضخم شبه المُلغى، ولا حتى ضمانات أسعار ثابتة مثل تلك التي تقدمها المملكة المتحدة لمولدي الطاقة من مصادر متجددة، فإنه ما كان يهم المستثمرين هو تأكيد سانشيز على عدم التراجع من جديد.

وجاء الانقطاع واسع النطاق للتيار الكهربائي الذي بدأ الساعة 12:33 يوم 28 أبريل ليسلط الضوء على أوجه العجز في جزء مهم من النظام، وهو شبكة الكهرباء وقد ألقت الحكومة باللوم في الانقطاع على «ريد إليكتريسيا» المشغلة لشبكة الكهرباء وشركات المرافق التي تشغل محطات تعمل بالغاز والطاقة النووية.

وأكدت الحكومة أن هذه الشركات فشلت في تخفيف زيادة الجهد بالشبكة، لكن تقريراً رسمياً سلط الضوء على مسألة أخرى، وهي أن زيادة الجهد كانت مرتبطة بعدم الاستقرار في إحدى محطات الطاقة الشمسية؛ ففي الساعة 12:03، ولدت محطة لم يُكشف عن اسمها تقع في مدينة بطليوس غربي إسبانيا تذبذباً «غير طبيعي» في تردد الشبكة، ويُقصد بذلك معدل تناوب التيار الكهربائي.

وقد كان هذا التذبذب كبيراً إلى درجة رصده في كل من فرنسا وألمانيا.

وكان ضلوع محطة للطاقة الشمسية في التسلسل السببي لافتاً للنظر، فنظام الكهرباء الإسباني لم يعد يعتمد على بضع عشرات من محطات الوقود الأحفوري والطاقة النووية التي توجد توربيناتها الكبيرة بالقرب من مراكز الطلب الحضري.

وبدلاً من ذلك، يعتمد نظام الكهرباء الإسباني حالياً على شبكة من محطات الطاقة المتجددة الأصغر حجماً تنتشر في المناطق الريفية، ومنها 54.000 مرفق للطاقة الشمسية.

وتولد هذه المحطات الطاقة بصورة متقطعة وفق الغطاء السحابي ودوران الأرض، وهي بذلك لا تساعد على استقرار تردد الشبكة والجهد بالطريقة ذاتها التي تفعلها توربينات الغاز العملاقة والمحطات النووية.

وأوضح خوسيه بوغاس، الرئيس التنفيذي لدى شركة «إنديسا» وهي شركة كبيرة للمرافق في مايو الماضي: «لقد دفع هذا التحول بالشبكة إلى أقصى حدود مزيج التوليد، في حين واصلنا تشغيل النظام واستخدامه كما اعتدنا سابقاً».

وهكذا، فإن إسبانيا شجعت الاستثمار في محطات الطاقة الشمسية، إلا أنها أهملت الاستثمار في شبكة الكهرباء.

وتشير «بلومبرغ إن إي إف» إلى أن البلاد كانت الأكثر تقشفاً في أوروبا منذ عام 2020، ولم تستثمر إلا 0.30 دولار في الشبكة مقابل كل دولار يُستثمر في مصادر الطاقة المتجددة، ويأتي ذلك في مقابل المتوسط الأوروبي البالغ 0.70 دولار، وهذه مشكلة.