يسابق عمالقة خدمات تكنولوجيا المعلومات في الهند الزمن، لإعادة ابتكار نماذج أعمالهم، في مواجهة التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي.
كما يعاني قطاع التعهيد الضخم في البلاد من تباطؤ الطلب على خدماته في الولايات المتحدة، أكبر أسواقه. كما تدفع المعارك التجارية التي يخوضها الرئيس الأمريكي — بما في ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على الهند، مع استثناء الخدمات — في تأجيل القرارات الاستثمارية والتجارية.
وترى الشركات التكنولوجية الكبرى، مثل «إنفوسيس» و«تاتا للخدمات الاستشارية» و«ويبرو»، أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين.
وقال ناندان نيليكاني المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة «إنفوسيس»، في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز، إن شركته تعمل على «مئات» من مشاريع الذكاء الاصطناعي مع شركاء من الشركات، موضحاً أن: «الذكاء الاصطناع يؤدي إلى تقليص بعض أوجه الإنفاق، لأن الجميع يحوّلون أموالهم من مجالات أخرى إلى الذكاء الاصطناعي».
وأوضح الملياردير التكنولوجي، أن دور القطاع سيكون في إيجاد تطبيقات عملية لـ «مجموعة ضخمة من التقنيات»، التي طورتها قلة من الشركات الرائدة، مثل «أوبن إيه آي» و«أنثروبيك»، بينما تضخ شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات في الذكاء الاصطناعي.
وقالت «إنفوسيس» الشهر الماضي، إنها طوّرت 300 وكيل رقمي، وأعلنت مؤخراً عن صفقات لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع شركة الطاقة الألمانية «إيون»، ومصرف «دي إن بي بنك» النرويجي، و«الاتحاد البريطاني للتنس».
وفي نتائجها الفصلية الأخيرة، أفادت شركة «تاتا للخدمات الاستشارية»، أكبر شركة تكنولوجيا معلومات في الهند، أن إيراداتها المجمّعة، ارتفعت بنسبة 1.3 % فقط على أساس سنوي، لتأتي دون توقعات المحللين، رغم توقيعها صفقات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل مشروع تحديث العمليات التقنية لشركة «فيرجن أتلانتيك».
وسجّلت شركتا «إنفوسيس» و«ويبرو» أداءً أفضل في نتائج أرباحهما، إذ أظهرت التقارير مؤشرات على التعافي، مع فوزهما بمشروعات تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات، وتحقيقهما نمواً في المبيعات فاق التوقعات.
وسجّلت شركة «إتش سي إل تك»، ثالث أكبر شركة تعهيد لتكنولوجيا المعلومات في الهند، نتائج متباينة، إذ تجاوز نمو الإيرادات التوقعات، لكن صافي أرباحها الفصلية انخفض بنسبة 9.7 %، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبينما حقق قطاع التكنولوجيا في الهند إيرادات سنوية بلغت 284 مليار دولار، توقع بعض المحللين أن يواجه القطاع تخفيضات لا مفر منها، مع لجوء العملاء إلى الذكاء الاصطناعي لخفض النفقات.
وقالت أبارنا آيير المديرة المالية في شركة «ويبرو»، رابع أكبر شركة تكنولوجيا معلومات في الهند، في مقابلة، إن تبنّي الذكاء الاصطناعي لا يزال في «مراحله المبكرة جداً».
وأضافت: «نحن في مرحلة إعادة التشكيل وإعادة التفكير، أرى أن كثيراً من عملائنا يمرون بالمرحلة نفسها تقريباً».
ووفقاً لتقديرات نُشرت العام الماضي، في تقرير مشترك بين مجموعة بوسطن للاستشارات و«ناسوكوم»، وهي الهيئة التجارية لصناعة تكنولوجيا المعلومات في الهند، من المتوقع أن ينمو حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الهند من نحو 9 مليارات دولار في 2023، إلى ما يصل إلى 22 مليار دولار بحلول 2027.
ومع أن الهند تضم شركات رائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وأحد أكبر تجمعات المواهب في هندسة البرمجيات على مستوى العالم، فإنها متأخرة نسبياً في الابتكار بمجال الذكاء الاصطناعي.
ولم تطلق حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، مهمتها الوطنية للذكاء الاصطناعي إلا العام الماضي فقط، في حين أن الصين وضعت خطتها الوطنية للذكاء الاصطناعي عام 2017. وقد خصصت نيودلهي الآن نحو 1.2 مليار دولار، لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي وبنيته التحتية، على مدى 5 سنوات.
وأعرب مسؤولون حكوميون هنود، عن أسفهم لتأخر بعض الشركات الكبرى في دخول مجال الذكاء الاصطناعي. وقال أحد المسؤولين في نيودلهي لصحيفة فاينانشال تايمز: «كان للأمر أن يكون مثالياً، لو كانت تي سي إس أو إنفوسيس، قد استثمرتا في نماذج الذكاء الاصطناعي قبل 10 سنوات أو 5 سنوات».
وأثارت فرص خفض التكاليف وتحسين الكفاءة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، تساؤلات حول مستقبل التوظيف في صناعة التكنولوجيا الهندية، التي تُعد من بين القطاعات القليلة التي توفر وظائف واسعة النطاق، لأكثر من 5 ملايين شخص، في بلد يواجه صعوبة في إيجاد فرص عمل رسمية لعدد سكانه الضخم.
وفي أواخر الشهر الماضي، أعلنت شركة تي سي إس أنها ستخفض 2 % من قوتها العاملة، أي نحو 12 ألف موظف، معظمهم من المستويات المتوسطة والعليا، في إطار خطط «جاهزية للمستقبل» للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة، وتطبيق الذكاء الاصطناعي «على نطاق واسع».