كاميلا كافينديش

فيما نبلغ ذروة فصل الصيف، لاحظت أن بعض الأشخاص لا يزالون يردون على الرسائل بعد دقائق قليلة من وصولها إلى صندوق الوارد.

وهذا ما يشير إلى أن كثيرين منا لا يجيدون قضاء العطلات، أو على الأقل غير قادرين، أو غير راغبين، في التخلي عن هويتنا المهنية وسط عالم متسارع.

وقد أدركت أن هذا الأمر يحدث لي قبل فترة قصيرة، حين باغتتني لحظة وعي وأنا أطلق كلمات غاضبة بصوت عالٍ أثناء نزهة على الساحل، بعد أن طالعت هاتفي. عندها ألقى آخرون نظرة نحوي، وربما لم يروا أمامهم سائحة هادئة تستمتع بالطبيعة، بل امرأة متوترة منشغلة بهاتفها، تفوت مشهد غروب الشمس.

تتمحور غالبية حياتي حول هذا النوع من محاولات القيام بأمرين في الوقت ذاته، مثل ضغط نشاط ما سريع مع محاولة التريض. كما أنني هرّبت ذات مرة علبَ القهوة داخل منتجع صحي لتخليص الجسم من السموم، في محاولة للحاق بركب العمل دون أن أتعرض لصداع بسبب نقص الكافيين.

لكن بات بإمكاني أن أكتب إليكم الآن كشخص اهتدى قلبه أخيراً، رغماً عن نتائج تجربة أقوم بها لفن التمهل. وقد أصبحت مجبرة على ذلك إثر إصابة وقعت لي أثناء ممارسة الرياضة نتج عنها شهران من الآلام المبرحة المتزايدة، تبعتهما عملية جراحية لإصلاح ما أصاب مفصل الورك. ولم يجعل اضطراري إلى التمهل أن تكون الحياة أكثر خفة فحسب، بل أصبحت أكثر إنتاجية أيضاً.

حتى موعد العملية الجراحية، كنت عازمة على الحفاظ على وتيرة حياتي المرهقة المعتادة. وقد بلغت مرحلة كنت أشعر فيها بالألم من مجرد السير في الطريق، لكنني لم يخطر ببالي أن أتمهل، ولم أُراكِم إلا نفقات كبيرة لاستخدامي سيارات الأجرة. كنت حادة الطباع في المنزل، وفي الاجتماعات، وكدست على الطاولة المجاورة لسريري مطبوعات ومقالات كنت أحتفظ بها لأقرأها في وقت لاحق، بجانب كتب طلبتها على عجالة، غير أني لم أتذكر بعد ذلك السبب الذي دفعني للاعتقاد بضروريتها.

وبعد خروجي من المستشفى، استغرق مني الأمر نحو أسبوع لأتوقف عن محاولة القراءة والانهيار في حالة الاستسلام المثقل بالنعاس. أزلت سماعات أذني بعد ذلك، وصرت شخصاً يلحظ السماء ويستنشق عبير الياسمين. وبينما كنت أعرج سيراً على عكازي، كان الغرباء يبتسمون في وجهي ويتحدثون معي، وكانت السيارات تنتظر بصبر بينما أعبر الطريق. وحينما وصلت أخيراً إلى مكتب البريد وسألت الموظف، القابع خلف المكتب، عن أحواله، كان الرجل أكثر انفتاحاً مقارنة بالمعتاد، ربما لأنني أصبحت أخيراً استمع إليه.

أدركت حينها أن المرأة الودودة البشوشة التي كنت أظنني إياها لم تكن إلا شخصاً فظاً ومتعجلاً على الدوام. لقد أسهم تمهلي في عيش حياتي في استعادتي للثقة بالإنسانية، إذ ما زالت الرغبة البشرية للتعاطف والمرح قائمة فقط إن قررت التوقف عن العبث بهاتفك وأن تجول بعينيك فيما يدور حولك وتتفاعل.

جميعنا يعلم الفرق بين الانشغال والإنتاجية من الناحية النظرية، لكن الفرق يصبح غامضاً من الناحية العملية بسبب المطالب المتعارضة. وبفضل ذريعة قوية، فقد قمت بحذف رسائل البريد الإلكتروني التي لم أفحصها، على افتراض أن المهم منها سيعاد إرساله من جديد. وشعرت حينها، وأخيراً، بالقدرة على تمزيق المقالات التي كنت أحتفظ بها وتخليت عن العبء الذهني المصاحب لكل ذلك.

كانت النتيجة زيادة ضئيلة، لكنها مرضية، في قدراتي الذهنية. وبدأت أحسن حل الأحجيات التي كانت تصيبني بالحيرة. وقد حظيت ببعض لحظات الإلهام في عملي على كتاب، خصوصاً في فصول كنت عالقة فيها فيما سبق. وبينما كنت أفترض أن فترة إجازتي البالغة ستة أسابيع «وقت مهدر»، فقد خرجت منها ولدي الكثير من الأفكار، وتفاؤل أكبر بشأن البشر، وإدراك لمسألة أنك لن تفقد روحك إذا استمتعت فعلاً بما لديك من وقت فراغ.

ويوجد لدى الخبير كال نيوبورت، مؤلف كتاب «الإنتاجية البطيئة»، شعار من ثلاثة أجزاء: قم بعمل أشياء أقل.. واعمل بسرعة طبيعية.. وصب تركيزك على الجودة. وقد استخدمت بعضاً من أساليبه في الماضي، لكن لم أفهم حقاً من قبل ما كان يعنيه بتحديد وتيرتك الخاصة، أو كيف يمكن لتدفق الأدرينالين الناجم عن «المضي قدماً» أن يغشى الوتيرة الطبيعية للمرء.

إن المحظوظين منا ممن يعملون بوظائف تتطلب معرفة إبداعية استفادوا بالكثير من المرونة من التكنولوجيا، لكنها تلقي على كاهلنا بأعباء التوقعات. نحن واقعون في براثن ما تسميه عالمات الاجتماع ميليسا مازمانيان وواندا أورليكوفسكي وجوان ييتس بـ «مفارقة الاستقلالية»، إذ نكون واقعين تحت وهم السيطرة، وكذلك تحت سيطرة الشعور بالحاجة لليقظة المستمرة.

ونتيجة لذلك، ترى عالمات الاجتماع الثلاث، أننا بسبب ذلك يمكن أن نقترف المزيد من الأخطاء. ولذلك، قبل فترة وجيزة من خضوعي للعملية، كنت قد حجزت بعض تذاكر الذهاب والعودة باستخدام القطار لرحلة عائلية في اليوم الخاطئ، لأنني كنت أتصفح الجدول سريعاً بينما كنت في مكالمة هاتفية. عموماً، ربما لا أعيش أفضل ما في حياتي بعد، لكني عدت من جديد إلى إنسانيتي على الأقل.