جيمس بوليتي - إيمي ويليامز

تغنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من داخل المكتب البيضاوي، بما اعتبره نجاحاً لعهده الجديد القائم على فرض تعريفات جمركية أعلى على معظم دول العالم. 

وفي استعراض لسياسته التجارية الحمائية الجذرية، قال ترامب: «لقد بدأنا للتو، والأمر ما زال في مراحله الأولى»، مضيفاً: «لدينا بلد سيصبح غنياً للغاية».

وبينما كان ترامب يستمتع بلحظة الانتصار، كانت الأيام الماضية، مثقلة بالقلق لدى أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، فضلاً عن الأسواق العالمية.

فقد تمكن بعضهم، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، من انتزاع استراحة مؤقتة عبر اتفاقات متأخرة مع واشنطن، خفضت الرسوم المزمعة على معظم منتجاتهم، لكن بلداناً أخرى — بينها البرازيل والهند وسويسرا — لم تحظ بهذه المعاملة، إذ وجدت نفسها أمام تعريفات جمركية أعلى، ما أثار استياءها ودفعها إلى حالة من الحيرة بشأن كيفية الرد.

وقد كشفت النتائج غير المتوازنة للجولة الأخيرة من المفاوضات التجارية عن كيفية توظيف ترامب، لأداة التعريفات الجمركية ليس فقط لتحقيق أهداف اقتصادية، بل أيضاً لتعزيز مصالحه الجيوسياسية والدبلوماسية، مسخراً القوة الاقتصادية الأمريكية سلاحاً ضد أي دولة ترفض الانصياع لرغباته.

وقال روبرت زوليك، الممثل التجاري السابق في إدارة جورج دبليو بوش والرئيس الأسبق للبنك الدولي: «لا يهتم ترامب بأمر السياسة في جوهر الأمور.. إنه فقط يهتم بصنع الصفقات.

وهو يدرك جيداً أن الولايات المتحدة لديها قوة اقتصادية طاغية. وهكذا، فقد باتت التعريفات الجمركية أداة ضغط ووسيلة لإظهار الهيمنة».

وفي حالة البرازيل، أشار ترامب إلى أن الدافع وراء فرضه تعريفات جمركية عقابية بنسبة 50% على البرازيل هو القرارات القضائية في البلاد، بما في ذلك محاكمة الرئيس السابق للبلاد، جايير بولسونارو، والتشريع الذي أقرته المحكمة الدستورية في البلاد بشأن وسائل التواصل الاجتماعي.

وبالنسبة للهند، فقد قرر ترامب زيادة التعريفات الجمركية الأمريكية المعتزمة من 25% إلى 50%، رداً على شراء نيودلهي للنفط الروسي، وجاء ذلك بينما هو يحاول التوسط في عقد اتفاق سلام في الحرب الأوكرانية.

وخلال الأسبوع الماضي، أعلن ترامب أن مسعى كندا الرامي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيجعل من التوصل إلى اتفاق في المفاوضات التجارية العالمية أمراً «شديد الصعوبة»، مع زيادته للتعريفات الجمركية المفروضة على السلع الكندية غير المشمولة بإطار الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا إلى 35%.

وترى كيمبرلي كلوزينغ، الخبيرة الاقتصادية في جامعة كاليفورنيا ومسؤولة الخزانة السابقة في إدارة جو بايدن: «لقد أصبحنا عالقين في مرحلة لا تمليها سوى الطبيعة المعاملاتية البحتة للأمور... وتعد فيها التعريفات الجمركية هي الهراوة الرئيسية».

ويقول العديد من خبراء التجارة حول العالم، إن الربط الصريح للسياسة الاقتصادية بالنتائج السياسية سيزيد من عدم اليقين المتعلق بسياسات ترامب التجارية، بما أن بإمكانه رفع أو خفض الرسوم الأمريكية بصورة لا يمكن التنبؤ بها وفق الأهداف التي يسعى وراءها في الوقت الراهن، سواء تم التوصل لاتفاق تجاري أم لا.

وذكر دوغلاس إيروين، أستاذ الاقتصاد لدى جامعة دارتموث: «يثير هذا الكثير من التساؤلات حول كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها».

وتابع: «يمكن أن تظل هذه الاتفاقيات قائمة طوال بضعة أسابيع، لكن هل يمكن لمنطق جديد أن يظهر فتبرر إدارة ترامب بموجبه زيادة التعريفات المفروضة على بلد ما، أو إلغاء الاتفاق؟ لا أحد يعلم الإجابة، أليس كذلك؟».

وقد أظهر ترامب فيما مضى، ميلاً نحو تطويع التعريفات الجمركية باعتبارها ورقة تفاوضية دبلوماسية.

ففي فترته الأولى، هدد ترامب المكسيك بفرض تعريفات جمركية مرتفعة لإجبار البلاد على كبح تدفقات المهاجرين.

وفي أوائل فترته الثانية، تعهد الرئيس الأمريكي بفرض تعريفات على الواردات الكولومبية ما لم تقبل البلاد بالمرحلين من الولايات المتحدة.

لكن رغبة ترامب في فرض عقوبات تجارية على الدول ازدادت لأسباب لا صلة لها بالاقتصاد على الإطلاق بصورة جوهرية في أثناء الأشهر الستة الأولى من فترته الرئاسية الثانية.

وتأتي الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها على كل من الهند والبرازيل على قمة تحركات ترامب الساعية إلى فرض تعريفات إضافية ضد الصين، وكندا، والمكسيك، وهم الشركاء التجاريون الثلاثة الأبرز للولايات المتحدة، بحجة أن البلدان الثلاثة لم تفعل ما يكفي لوضع حد لتجارة مخدر الفنتانيل.

وفي أواخر يونيو الماضي، وجه ترامب هجماته ضد إسبانيا لمقاومتها زيادة الإنفاق الدفاعي، محذراً من أنه سيتحتم على البلاد «سداد ضعف هذا» على التجارة بسبب موقفها.

وعلى الرغم من أن قواعد التجارة العالمية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كثيراً ما منحت الدول مجالاً لفرض قيود تجارية استناداً إلى اعتبارات الأمن القومي، إلا أن خبراء تجاريين أعربوا عن خشيتهم من أن قرارات ترامب «تتسم بالكثير من عدم الاحترام» ومن شأنها زيادة الانقسام الذي يعتري النظام التجاري الدولي.

وصدر عن كل من نيودلهي وبرازيليا ردود فعل تتسم بالتحدي رداً على مواجهتهما بعض من أعلى الرسوم الجمركية على الإطلاق عالمياً.

وفي تصريحات صحافية، شدد ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي قائلاً: «لن تتنازل الهند أبداً عن رفاهية مزارعيها، أو قطاع منتجات الألبان، أو الصيادين، وأعلم على المستوى الشخصي أني قد أدفع ثمناً غالياً بسبب ذلك».

وصرح الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في تعليقات نقلتها وكالة «رويترز»، أنه لن يتردد في التحدث مع ترامب، واستطرد: «لكن اليوم، يخبرني حدسي بأنه لا يرغب في الحديث، ولن أذل نفسي».

وأشار إلى وجوب التوصل على رد منسق من جانب دول مجموعة «بريكس»، خصوصاً البرازيل، والهند، غير أن أياً من البلدين لم يشِر إلى أي تصعيد جديد ضد واشنطن.

وبالنسبة لمسؤولي إدارة ترامب، فما زال الدافع الاقتصادي من وراء التعريفات الجمركية يحتل الأولوية، ويتمثل في إعادة صياغة العلاقات التجارية للولايات المتحدة مع بقية دول العالم.

ومنذ صعوده إلى حكم البلاد منذ ما يزيد على ستة أشهر، حدد ترامب تعريفات جمركية عند أعلى مستوياتها الفعلية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفي بعض الأحيان كان يفكك اتفاقيات تجارة حرة قائمة.

وفي أوائل أبريل الماضي، وصف ترامب الأمر بأنه «إعلان الاستقلال الاقتصادي» للولايات المتحدة.

كما حدد سكوت بيسينت، وزير الخزانة الأمريكي، إطاراً لنظام التعريفات بواسطة مصطلحات اقتصادية، في محاولة لـ «إعادة التوازن التجاري لصالح الولايات المتحدة».

ويعتقد المسؤولون في إدارة ترامب، أن التعريفات الجمركية المفروضة استناداً إلى اعتبارات اقتصادية، مختلفة عن تلك المفروضة لأغراض سياسية أو دبلوماسية، والتي قد تكون عرضة للتقلبات بصورة أكبر.

وقال مسؤول في البيت الأبيض: «تعد التعريفات أداة اقتصادية بإمكانها خدمة أغراض اقتصادية متعددة في مختلف السياقات».

وأضاف: «في حالة الهند والبرازيل، يتمثل الغرض منها أيضاً في تنفيذ مختلف أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي».

وكان مما دعم مسؤولي إدارة ترامب، رد فعل السوق الهادئ على التعريفات التي فرضها الرئيس على مدى الأسابيع القليلة الماضية.

ففي أبريل، اضطر ترامب إلى تعليق التعريفات التي فرضها مؤقتاً بعد الاضطرابات الحادة التي لحقت بأسواق الأسهم العالمية والبيع الكثيف الذي شهدته سندات الخزانة الأمريكية.

لكن تعافت مؤشرات الأسهم منذ ذلك الحين، على الرغم من انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقارنة بعملات أخرى.

وفي المقابل، مع ذلك، هناك إشارات على أن تعريفات ترامب الجمركية بدأت في التأثير على الاقتصاد بصورة أوسع نطاقاً، مع تباطؤ نمو التوظيف على نحو حاد في الولايات المتحدة.

وفي حين أن التعريفات الانتقامية الجديدة المفروضة الأسبوع الماضي تعتبر أقل على نطاق واسع مقارنة بالرسوم التي فرضها ترامب في أوائل أبريل، إلا أن خبراء تجاريين يحذرون من أن الاتفاقيات التجارية التي أبرمها الرئيس الأمريكي قد تكون هشة.

وعادة ما تكون الاتفاقيات التجارية وثائق ملزمة قانونياً، وتتكون من عشرات الصفحات، وغالباً ما يوافق عليها الساسة في كل دولة طرف بالاتفاقية.

لكن بعض من الاتفاقيات الأخيرة التي أبرمها ترامب وصفت بأنها ليست أكثر من مجرد منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.