إذا كان لا بد من فرض رسوم جمركية، فلن يكون هناك قطاع أنسب من الساعات الفاخرة لاستهدافه.

ففرض رسوم باهظة على سويسرا، موطن علامات الساعات المرموقة، مثل «رولكس» و«باتيك فيليب»، والمصدّر لما قيمته 5.4 مليارات دولار من الساعات إلى الولايات المتحدة العام الماضي، قد يشكّل ضربة محسوبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لكن الساعات السويسرية تتمتع بقدرة لافتة على الصمود أمام أحد أبرز مخاطر الرسوم الجمركية، وهو تراجع الطلب مع ارتفاع الأسعار — الأمر الذي يضر بالشركات نفسها، وبالحكومات التي تأمل تحصيل إيرادات من هذه الضرائب.

فبفضل أسعارها التي قد تصل في بعض الأحيان إلى عشرات ملايين الدولارات، تُعد الساعات الفاخرة من أفضل الأمثلة لـ «سلع فيبلن»، أي تلك التي تزداد جاذبيتها كلما ارتفع ثمنها.

وللدلالة على ذلك، يكفي النظر إلى معصم مارك زوكربيرغ. فعندما تخلّى مؤسس «فيسبوك» التي تملكها شركة «ميتا» عن أسلوبه الذي تميز دائماً بالكنزات القطنية، ومظهر «المهووس بالتكنولوجيا»، ليعيد تقديم نفسه كرجل عصري، فعل ذلك عبر تبنّي رياضة الجيوجيتسو، واقتناء الساعات الفاخرة.

وعندما أعلن في يناير عن إنهاء برنامج التحقق من الحقائق من جهات خارجية لدى «ميتا»، كان يضع على معصمه ساعة «غروبل فورسي هاند ميد 1»، التي تقارب قيمتها مليون دولار.

وفائدة أخرى، وإن كانت ربما غير مقصودة، تتمثل في أن فرض رسوم على أغلى الأكسسوارات، يعزز صورة الرئيس الذي يُظهر نفسه حامياً لمصالح «الرجل العادي».

فبخلاف الرسوم المفروضة على بنغلاديش، المصدرة للقمصان التي تملأ رفوف المتاجر منخفضة الأسعار، فإن هذه ضريبة تقع على عاتق الأثرياء.

وبذلك قد تنجو شركات صناعة الساعات من «سيناريو الرعب»، الذي يواجهه نظراؤهم من المصدّرين السويسريين، على حد وصف رابطة الصناعات السويسرية «سويس ميم».

ففي حين يسارع صانعو السيارات والرقائق الإلكترونية إلى إعادة الإنتاج إلى الولايات المتحدة، يمكن لصنّاع الساعات البقاء في أماكنهم دون قلق كبير بشأن إعادة هيكلة سلاسل التوريد. وهذا من حسن حظهم، إذ إن هذه الصناعة الحرفية متجذّرة في سويسرا، منذ ما يقارب خمسة قرون.

ومع ذلك، فإن صانعي الساعات السويسرية ليسوا في مأمن تام من تقلبات العالم. فقد وجهت «أزمة الكوارتز» في سبعينيات القرن الماضي، ضربة قوية للصناعة.

وتشمل التحديات الأحدث، قوة الفرنك السويسري، وارتفاع أسعار الذهب بشكل حاد، إضافة إلى التراجع العام الذي يشهده قطاع الرفاهية.

ولم تعد المبيعات بعد إلى ذروتها في عصر الجائحة، حين أُلغيت العطلات، وانقطعت الأنشطة الترفيهية، فقد انخفضت قيمة العديد من الساعات الفاخرة عما كانت عليه قبل عام، وفقاً لشركة كرونو بالس، المتخصصة في تتبع معاملات السلع المستعملة.

وعموماً، فإن أحداً لا يشتري هذه الساعات بعقلية الاستثمار قصير الأجل.

فعندما طرحت «أوديمار بيغيه» أولى ساعاتها من طراز «رويال أوك» في عام 1972، بسعر 2850 جنيهاً إسترلينياً، وهو أعلى بكثير من متوسط الأجور آنذاك، كان من الصعب تخيّل أن إصداراً جديداً من الطراز نفسه في عام 2021، سيباع بأكثر من خمسين ضعف ذلك السعر.

وبالمقارنة مع معدلات التضخم، وحتى أسعار العقارات في لندن، يُعد هذا استثماراً متفوقاً بفارق كبير.

إن الرسوم الجمركية تأتي وتذهب، لكن المكانة الرفيعة تظل أبدية.