إيمي ويليامز

دخلت الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيّز التنفيذ، لترفع بذلك التعريفات على الواردات إلى أعلى مستوياتها منذ قرن، معلنة بداية عهد جديد من الحرب التجارية المستعرة.

وجاء تطبيق هذه الزيادات رغم كل الضغوط المكثفة التي مارستها عواصم أجنبية في محاولة لتفادي الرسوم، والتي تُعدّ ركيزة أساسية في الأجندة الاقتصادية لترامب، وذلك مع انتهاء فترة السماح التي امتدت سبعة أيام منذ إعلانه النسخة الأحدث من هذا النظام الأسبوع الماضي.

وكانت رئيسة سويسرا، كارين كيلر-سوتر، قد عادت إلى بلادها الأربعاء، بعد فشل محاولة أخيرة لتجنيب بلادها بعضاً من أشد الرسوم التي فرضها ترامب، كما أخفقت تايوان، وهي من كبار مصدري الرقائق الإلكترونية للولايات المتحدة، في التوصل إلى اتفاق لتخفيض معدلات الرسوم المفروضة عليها.

يأتي ذلك كله بعد أشهر من التهديدات والتراجعات، ثم فرض رسوم جمركية على معظم دول العالم، في خطوة تهدف إلى إعادة رسم ملامح النظام التجاري الدولي الذي تطوّر على مدى عقود.

وقال تيد ميرفي، المحامي المختص بالتجارة في مكتب «سيدلي أوستن» في واشنطن: «هذا أمر بالغ الخطورة، لأننا نتحدّث هنا عن رسوم جمركية رسمية مرتفعة. وهذه الرسوم تقلب الأمور رأساً على عقب، إنها بداية نظام تجاري جديد ونهاية النظام القديم».

وقال تشاد باون، الباحث الأقدم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «نحن الآن في عالم جديد. وحتى بالنسبة للخبراء المتخصصين في شؤون التجارة، فإن هذا التعقيد يفوق التصوّر».

ومن المتوقّع أن تؤدي الرسوم المتبادلة إلى رفع الأعباء حتى على الاقتصادات التي أبرمت اتفاقات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي واليابان. أما الصين، أكبر مُصدّر في العالم، فهي حالة مختلفة، إذ تنتهي الهدنة التجارية بينها وبين واشنطن في 12 أغسطس.

ورغم أن المكسيك وافقت أيضاً على وقف مؤقت لأي رسوم جديدة لمدة 90 يوماً، فإن الرسوم المرتفعة على كندا، الشريك الآخر للولايات المتحدة في المجموعة التجارية لأمريكا الشمالية، دخلت حيّز التنفيذ فعلياً.

وكان ترامب قد أعلن عزمه قريباً على فرض رسوم جمركية أخرى على قطاعات الأدوية والإلكترونيات الاستهلاكية وقطاعات أخرى، وهي قطاعات لا تشملها الرسوم المتبادلة حالياً.

وأشار ترامب يوم الأربعاء الماضي، اعتزامه فرض رسوم بنسبة 100 % على واردات الرقائق الإلكترونية، من دون أن يحدّد موعد تنفيذ القرار، كما لمح في الوقت نفسه إلى إمكانية استثناء الشركات التي تستثمر داخل الولايات المتحدة من هذه الإجراءات.

وقد بدأ تنفيذ نظام التعريفات الجمركية بعد ساعات فقط من قيام الولايات المتحدة بزيادة الرسوم على الهند، في خطوة عقابية على خلفية شرائها النفط الروسي، ما يُظهر أن ترامب لا يزال مستعداً لاستخدام الحرب التجارية كأداة لتحقيق أهدافه الجيوسياسية.

وكتب ترامب في منشور على منصة «تروث سوشال» قبيل ساعات من دخول الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ : «مليارات الدولارات، ستبدأ بالتدفّق إلى داخل أمريكا.. معظمها من دول استفادت من الولايات المتحدة على مدار سنوات، وكانت تضحك طوال الوقت».

ويُعدّ نظام الرسوم الذي دخل حيّز التنفيذ يوم 7 أغسطس، هو المرة الثانية التي يوجّه فيها الرئيس سلطات الجمارك الأمريكية لتطبيق رسوم معاملة بالمثل واسعة النطاق، ففي مطلع أبريل، مضى ترامب قُدماً في تنفيذ تلك الرسوم قبل أن يعلّق جزءاً منها مؤقتاً.

وعلى الرغم من أن التعريفات الجمركية التي أعلنها ترامب مؤخراً تُعدّ أقل حدّة من تلك التي كشف عنها في «يوم التحرير» في 2 أبريل، فإنها ترفع فعلياً مستوى الرسوم الجمركية الأمريكية إلى أعلى مستوى لها منذ عقود.

وقد أخفقت محاولة اللحظة الأخيرة التي قامت بها سويسرا للإفلات من رسوم ترامب، ما يترك هذه الدولة، المُصدّرة للأدوية والمعادن الثمينة والساعات، أمام تعرفة جمركية تصل إلى 39 %، وهي من بين الأعلى على مستوى الدول المتقدمة.

وخلال زيارتها لواشنطن منذ أيام، التقت الرئيسة السويسرية كارين كيلر-سوتر بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، لكنها لم تلتقِ ممثل التجارة الأمريكية جيميسون غرير ولا وزير التجارة هوارد لوتنيك، وهما المسؤولان اللذان يقودان المفاوضات التجارية الأمريكية.

وكانت سويسرا تتوقع في البداية أن تفرض عليها تعرفة مخفّضة بنسبة 10 %، وهي النسبة الدنيا التي كانت متاحة لدول أخرى، إلا أن مسؤولاً أمريكياً صرّح بأن فريق التفاوض التابع لترامب لم يوافق على ذلك.

وقالت كيلر-سوتر في منشور عبر منصة إكس إنها ناقشت مع روبيو «التعاون الثنائي بين سويسرا والولايات المتحدة، والوضع الجمركي، وعدداً من القضايا الدولية»، لكن المشكلة أن وزير الخارجية الأمريكي لا يشارك عادة في مفاوضات التجارة التي تجريها واشنطن مع شركائها الدوليين.

وفي الوقت الراهن، يواجه شركاء أمريكا التجاريون النظام الجديد للتعريفات، وسط حالة من الغموض بشأن ما إذا كان الرئيس مستعداً للتفاوض من أجل التوصل إلى صيغ مخففة للرسوم.

وقد هلل ترامب للرسوم الجمركية، معتبراً أنها «ستدخل تريليونات الدولارات» إلى خزائن أمريكا، وقال إن اتفاقاته التجارية تجعل من الولايات المتحدة «دولة غنية من جديد».

وقالت مجموعة «بنتاغون ماكروإيكونوميكس» للأبحاث المستقلة، إن الولايات المتحدة جمعت في يوليو نحو 30 مليار دولار من الرسوم الجمركية ورسوم الاستهلاك، مقارنةً بمتوسط شهري بلغ نحو 8 مليارات دولار خلال عام 2024.ورغم النظام الجديد، لا تزال بعض السلع قادرة على دخول الأراضي الأمريكية دون أن تخضع للرسوم الأعلى.

ووفقاً لإشعار صادر عن هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية نُشر منذ أيام، فإن البضائع التي بدأت تمر عبر الجمارك الأمريكية اعتباراً من الساعة 12:01 صباحاً يوم الخميس تخضع للرسوم المرتفعة.

ومع ذلك، ينص الإشعار على أن البضائع التي كانت في طريقها إلى الولايات المتحدة قبل الساعة 12:01 صباحاً بتوقيت الساحل الشرقي يوم الخميس، والتي تصل إلى وجهتها بحلول 5 أكتوبر لن تُفرض عليها المعدلات الجديدة.

وقالت لين فيشر فوكس، المحامية في شركة أرنولد آند بورتر والمسؤولة التجارية الأمريكية السابقة، إن هذه القواعد تعني أن البضائع التي وصلت بالطائرة أو الشاحنة أو القطار اعتباراً من 7 أغسطس تخضع للتعرفة المرتفعة، وأوضحت أن ذلك يشمل الشحنات الجوية التي غادرت سويسرا مثلاً يوم 7 أغسطس ووصلت إلى أمريكا في اليوم نفسه.

وأشار محامون إلى أن البضائع القادمة من مناطق أبعد، مثل آسيا، قد تستفيد من المعدلات الأدنى حتى تاريخ 5 أكتوبر، بشرط أن تكون قد بدأت المرحلة الأخيرة من رحلتها قبل 7 أغسطس.