كاميلا هودجسون

قلصت كبرى شركات التعدين العالمية إنفاقها على التنقيب والاستكشاف في العامين الماضيين، متأثرة بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، إضافة إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية، ما أدى إلى حالة ركود في السوق على الرغم من ارتفاع الإنفاق في العقد الحالي على البحث عن النحاس والليثيوم، وهما معدنان مهمّان للتحول إلى الطاقة النظيفة.

وشهد مجمل الإنفاق على الاستكشاف انخفاضاً العام الثاني على التوالي في سنة 2024 بنسبة 6%، مسجلاً 12.5 مليار دولار، وذلك بعد مرحلة من النمو أعقبت جائحة كورونا، وفقاً لبيانات «إس آند بي كابيتال آي كيو». وفي المقابل، استمر الاستثمار في استكشاف الليثيوم في الارتفاع منذ سنة 2020، محققاً قفزة بنسبة 360% في سنة 2024، ليبلغ 1.1 مليار دولار مقارنة بمستواه قبل أربع سنوات.

وارتفع الإنفاق على استكشاف النحاس بنسبة 50% في الفترة نفسها، على الرغم من أن الاستثمار في هذا المجال بلغ 3.2 مليارات دولار في سنة 2024، مسجلاً تراجعاً طفيفاً مقارنة بالعام السابق. ويُتوقع ارتفاع الطلب على معادن البطاريات والمعادن الأساسية في العقد المقبل، وهي المعادن المستخدمة في مجموعة واسعة من المنتجات تشمل الأسلاك النحاسية وبطاريات السيارات الكهربائية. وحذر محللون من أزمات إمداد وشيكة في هذا القطاع. وفي المقابل، تشهد سوق الليثيوم تخمة في المعروض أدت إلى هبوط الأسعار.

ووصف كيفين ميرفي، مدير بحوث المعادن والتعدين في «إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس»، الإنفاق على أنشطة الاستكشاف العام الماضي بأنه «أسوأ بكثير» مما شهدته فترة طفرة السلع الأولية قبل أكثر من عقد، لافتاً إلى أن التضخم والسياسات النقدية المتشددة وضعف أسواق السلع دفعت الشركات الكبرى إلى توخي الحذر، مضيفاً إن الاستكشاف يعد «من أول بنود الإنفاق المستهدفة بالخفض» في ظل الظروف الصعبة.

واستأثر الذهب بالحصة الكبرى من استثمارات الاستكشاف العام الماضي وبقيمة 5.6 مليارات دولار، متجاوزاً 40% من المجمل. وارتفع مجمل الإنفاق على النحاس والليثيوم والنيكل — المعادن الأكثر استثماراً بعد الذهب — إلى نحو 40% من مجمل سنة 2024 مقارنة بـ27% في سنة 2020.

وتشمل البيانات، المعدلة وفقاً للتضخم، الاستثمارات الأولية في مناطق لم يتم استكشافها من قبل، ودراسات الجدوى، والأموال الموجهة لتطوير المناجم القائمة. وكشف دنكان وانبلاد، الرئيس التنفيذي لشركة «أنغلو أمريكان»، في تصريحات لـ«فاينانشال تايمز» في فبراير أن الشركة تركز «بشكل رئيس» على استكشاف النحاس، مؤكداً أن العالم عانى نقص الاستثمار في الاستكشاف والتنقيب فترة طويلة جداً. وتعمل المجموعة، المدرجة في مؤشر «فوتسي 100»، على تصفية عدد من أعمالها للتركيز على النحاس وخام الحديد.

وأوضح كواسي أمبوفو، رئيس قطاع المعادن والتعدين في مؤسسة «بلومبرغ نيف»، أن هناك «الكثير من سلوك القطيع في مجال الاستكشاف»، مضيفاً: «في الوقت الراهن، يمكنك ملء قاعة كاملة بالمستثمرين المهتمين إذا كنت تتحدث عن اكتشاف رواسب نحاس جديدة».

واتجهت معظم استثمارات العام الماضي نحو تطوير مواقع جديدة بالمناجم القائمة بدلاً من الاستكشاف الأولي في أراضٍ بكر. وعدّت سيارا تالبوت، رئيسة الاستكشاف في «فالي بيس ميتالز»، أن الاستكشاف الأولي يمثل «تحدياً» لأن المستثمرين «لا يفكرون بالضرورة على مدى 30 عاماً». وأضافت: «في قطاع التعدين، تتم متابعة النتائج بشكل ربع سنوي مع التركيز على أرقام الإنتاج»، مستدركة: «ولكن هذا يجب أن يتغير، فهناك حدود لما يمكن استكشافه في المناجم الحالية».

وأكد محللون أن التعدين بات أكثر تكلفة مع انخفاض تركيزات المعادن في الأرض وارتفاع التكاليف بفعل التضخم، ما جعل الاستحواذ على مواقع استكشاف قائمة أكثر جذباً للمستثمرين مقارنة بالبحث عن احتياطات جديدة.

وأكد ميرفي من «إس آند بي» وجود «الكثير من الحوافز للتوجه نحو مسار الدمج والاستحواذ» لتحقيق النمو. وأوضح أن الاندماج غالباً ما يؤدي إلى تقليص ميزانيات الاستكشاف، فتقوم الشركة الجديدة بـ«إعادة ترتيب أولوياتها، ومن ثم استبعاد العديد من المشاريع».

ووفقاً لبيانات «إس آند بي»، تُعد مجموعة «ريو تينتو» الأنجلو-أسترالية، و«نيومونت» الأمريكية، و«باريك جولد» الكندية، من بين أكثر الشركات استثماراً في الاستكشاف سنوياً. وتشمل بيانات الإنفاق المعادن الثمينة والأساسية، مع استبعاد خام الحديد والفحم والألمنيوم والنفط والغاز.