أليس هانكوك

من الملاحظ أن العديد من «الصفقات» التي يعلنها الرئيس ترامب تبدو، في واقع الأمر، أقرب إلى اتفاقات فضفاضة أو «مذكرات تفاهم» منها إلى التزامات قانونية ملزمة.

وعلى سبيل المثال، لا تزال فيتنام غير متأكدة تماماً من المعنى الفعلي لتطبيق تعرفة جمركية بنسبة 20%.

أما اليابان، فتواجه الكثير من الغموض بشأن الوجهة النهائية للأرباح المتوقعة من استثماراتها الموعودة في الولايات المتحدة.

الأهم من ذلك، أن الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تسبب في حالة من الارتباك الشديد في بروكسل رغم نشر البيت الأبيض «ورقة معلومات» لشرح ما وصفه بـ «الصفقة الضخمة».

وأشارت الوثيقة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيخضع لتعرفة جمركية بنسبة 15% على السيارات، والأدوية، وأشباه الموصلات، في حين ستظل المعادن – مثل الصلب – في مواجهة رسوم جمركية بنسبة 50%.

بعد ذلك بأقل من 24 ساعة، أصدر الاتحاد الأوروبي توضيحاً خاصاً، أشار فيه إلى أن الأدوية، على سبيل المثال، لن تكون خاضعة لتعريفات إضافية إلا بعد صدور قرار أمريكي بشأن نتائج التحقيقات الجارية حول «المادة 232».

كما أوضحت بروكسل أن الصلب سيخضع لنظام حصص تعريفية، ما يعني فرض رسوم بنسبة 50% فقط على الكميات التي تتجاوز الحد المسموح به.

ويبرز بقوة حجم الفوضى التي أثارها الاتفاق. ولذلك، وصفت المفوضية الأوروبية البيان المشترك، الذي كان يفترض أن يضفي الطابع الرسمي على الصفقة، بأنه مجرد «منصة» أو «خارطة طريق» لتطوير العلاقة التجارية مستقبلاً، بحسب ما قاله أحد المتحدثين باسم المفوضية.

من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام حكومته إنه من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لم يكن «مهاباً بما فيه الكفاية».

وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن الطرفين سيظلان بطبيعتهما على طرفي نقيض دائماً: «نحن، كبيروقراطيين نفضل أن تكون الأمور مكتوبة على الورق؛ بينما هم صانعو صفقات».

ورغم غياب الطابع الرسمي، فإن هذا قد يمنح المفوضية هامشاً للمناورة بشأن إحدى النقاط الشائكة: مسألة التوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية، فإعطاء دولة ما معاملة تفضيلية دون وجود اتفاق تجاري رسمي، كما هو الحال في عرض الاتحاد الأوروبي إعفاءً جمركياً كاملاً على السلع الصناعية للولايات المتحدة، قد يعد تمييزاً بموجب تلك القواعد، لكن، كما يقول سام لو، الشريك في شركة «فلينت غلوبال»، فإن ذلك ربما لا يهم كثيراً: «لأن منظمة التجارة العالمية باتت غير قادرة فعلياً على فعل أي شيء.

ولهذا، من حيث المبدأ، يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يفعلا ما يشاءان».

ويضيف: «السؤال هنا ليس عمّا إذا كانت منظمة التجارة ستتدخل، بل عن كيفية تبرير الاتحاد الأوروبي – الذي يقدم نفسه كهيئة تلتزم بقواعد النظام التجاري العالمي – لمنح تعريفات منخفضة للولايات المتحدة رغم عدم وجود اتفاق تجاري فعلي».

من جانبه، يشير ديميتري غروزوبينسكي، المستشار التجاري البارز في شركة «أورورا ماكرو استراتيجيز» إلى أن هناك «غطاءً قانونياً شكلياً» يمكن للاتحاد الأوروبي الاستناد إليه، وهو اعتبار هذه البنود بمثابة ترتيبات مؤقتة في طريق التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة.

ويضيف: «إذا جلبت ما يكفي من المحامين، يمكنك أن تقدم تفسيراً قانونياً يفيد أنك لا تنتهك القواعد بشكل صارخ.

وما يخفف من الأضرار التي قد تلحق بالنظام هنا هو أن الجميع يدركون أن التعامل مع إدارة ترامب هو حالة استثنائية فريدة من نوعها».

وبالحديث عن ذلك، ما مصير منظمة التجارة العالمية في هذا العالم الجديد من «الصفقات ذات الطابع المزاجي»؟

«سؤال وجيه جداً» حسبما تقول بيني ناس من «صندوق مارشال الألماني»، مشيرة إلى أنه من الواضح أن هناك إجماعاً عاماً على أن منظمة التجارة العالمية باتت في حاجة ملحة إلى إصلاح شامل طال انتظاره.

وقد أشار مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش، إلى أن هذا الإصلاح سيكون جزءاً من مسار التعاون التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مستقبلاً.

وقال السياسي السلوفاكي: «نعزز جهودنا المشتركة لمواجهة التحديات العالمية الملحة، وعلى رأسها الإصلاح المطلوب بشدة لمنظمة التجارة العالمية».

وترى ناس أن «هناك خللاً عالمياً في معدلات الرسوم الجمركية، و(ترامب) محق في ذلك؛ إذ توجد دول نامية تفرض تعريفات جمركية مرتفعة للغاية».

وفي تعليق ساخر، اقترح أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي أن يعاد تسمية المنظمة لتصبح «منظمة الرسوم الجمركية العالمية»، وأن يقال لترامب: «نحن بحاجة إلى هيئة تشرف على كل هذه الأنظمة المختلفة».

وعلى نحو أكثر جدية، فقد عينت منظمة التجارة العالمية الأسبوع الماضي جينيفر نوردكويست – التي سبق أن خدمت في إدارتي ترامب – بمنصب نائب المدير العام الجديد للمنظمة.

وتقول ناس إنه «لا يبدو لي أن الولايات المتحدة تنوي الانسحاب» من المنظمة.

ويقول سام لو من شركة «فلينت غلوبال»: «كل ما يفعله ترامب يلقي بظلال كبيرة من الشك على النظام التجاري القائم على القواعد.

لكن حتى الآن، يظل الأثر الرئيسي محصوراً بين الولايات المتحدة ودول أخرى». ويحذر لو من أن «المشكلة ستكون أكبر بكثير» إذا بدأت دول أخرى بتجاهل القواعد بشكل صارخ في تعاملاتها التجارية الثنائية.