روبرت ارمسترونج - ايدن رايتر

تشهد الأسواق المالية حالة من الاضطراب بسبب مؤشرات تباطؤ النمو الاقتصادي مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة على أعتاب مرحلة اقتصادية هبوطية، أم أن هذه البيانات مجرد مؤشرات مؤقتة لا تعكس الاتجاه العام للاقتصاد.

وتشير سلسلة البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى ضعف مستمر، لكن من المهم الإشارة إلى أن السياسات الاقتصادية، التي وعدت بها إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي يعول عليها المستثمرون لتحفيز الاقتصاد ودعم الأسواق المالية — وتحديداً تخفيضات الضرائب وإلغاء اللوائح التنظيمية بشكل جوهري — لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

وفي مثل هذه الأوقات تصبح التنبؤات الاقتصادية أداة مهمة، لأنها تفرض نوعاً من الانضباط الذهني، لذا دعونا نحاول توقع وضع اثنين من المتغيرات الاقتصادية الأساسية بحلول نهاية العام: التضخم والبطالة.

هل سيرتفعان أم سينخفضان مقارنة بمستوياتها الحالية؟ هل سيشهد الاقتصاد تباطؤاً، كما تشير البيانات الأخيرة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع البطالة؟ وهل يمكن أن تؤدي التعريفات الجمركية وتشديد إجراءات مكافحة الهجرة إلى إعادة إشعال فتيل التضخم من جديد؟

إننا نميل للاعتقاد بأن معدل التضخم من المرجح (بنسبة 60 % مقابل 40 %) أن يستمر عند مستواه الحالي أو أعلى، وأن سوق العمل سيظل ضيقاً، والخلاصة أن استمرار التضخم المرتفع يشكل تهديداً أكبر من ارتفاع البطالة، مع وجود احتمال حقيقي لأسوأ السيناريوهات الاقتصادية — الركود التضخمي.

ويرى المحللون المتشائمون أن تراجع سوق الإسكان الأمريكي يشكل عاملاً رئيسياً في التحول السلبي للمزاج الاقتصادي العام، وتهديداً لآفاق النمو، وهذا الطرح مدعوم بالبيانات، حيث انخفضت مبيعات المنازل القائمة بنسبة 30 % بين ديسمبر ويناير، وتراجع بدء عمليات البناء بنسبة 10 %، بينما استقرت تصاريح البناء وشهدت معدلات إتمام المشاريع ارتفاعاً طفيفاً، ما يعني زيادة في المخزون السكني.

ورغم المؤشرات غير المشجعة لا يختلف وضع سوق الإسكان كثيراً عما كان عليه في أكتوبر الماضي، فلا تزال معدلات الفائدة المرتفعة تحد من الطلب على الرهن العقاري، فيما يتجاوز المخزون السكني المستويات المثلى، في المقابل لم تنخفض الأسعار بالقدر الكافي لجذب المشترين إلى السوق.

وما تغير فعلياً هو التوقعات المستقبلية، فعلى الرغم من أن معدلات الرهن العقاري الحالية تقارب مستوياتها في أكتوبر إلا أنها شهدت ارتفاعاً في الفترة الفاصلة، مما أدى إلى مزيد من الاضطراب في السوق.

ورغم التراجع الطفيف، الذي شهدته معدلات الرهن العقاري في الآونة الأخيرة، إلا أن أسهم شركات بناء المساكن واصلت انخفاضها بشكل منتظم على مدار الأشهر الخمسة الماضية، لكن انخفاض أسهم شركات البناء لا يمكن تفسيره فقط بارتفاع معدلات الرهن العقاري، ففي الظروف الطبيعية تشهد شركات بناء المساكن عادة انتعاشاً في المبيعات خلال فصل الربيع، لكن هذه الظاهرة الموسمية قد لا تتحقق هذا العام، وبحسب ما صرح به ريك بالاسيوس من شركة جون بيرنز للاستشارات: «تدخل شركات بناء المساكن موسم الربيع هذا العام وهي تعاني من فائض كبير في المخزون السكني الجاهز للبيع، كون الأمل معقوداً على تسارع وتيرة المبيعات مع انطلاق موسم البيع، لكن شركات البناء بدأت تخفف من نشاطها البنائي إلى حد ما، بعدما أدركت أن موسم الربيع لن يكون قوياً بالقدر الذي كان متوقعاً في البداية».

وتواجه شركات بناء المنازل مخاوف متزايدة، إذ تعتمد نسبة كبيرة منها على العمالة غير الموثقة، وفقاً لتحليل تروي لودتكا من «إس إم بي سي نيكو»، وهذا يجعل سياسات الهجرة الصارمة لترامب عقبة أمام استكمال المشاريع السكنية الجديدة، وزيادة تكلفتها.

بالإضافة إلى ذلك قد تؤدي التعريفات الجمركية، خصوصاً على الأخشاب الكندية، إلى ارتفاع تكاليف البناء، مما قد يقلل الطلب أو يجبر المطورين على خفض هوامش أرباحهم في المشروعات القائمة.

وترجح التوقعات المستقبلية تباطؤ نمو القطاع بدلاً من انهياره الحاد، ويوضح أن شركات البناء بدأت بالفعل تقليص نشاطها وعملت منذ جائحة «كوفيد 19» على تعزيز وتنويع سلاسل التوريد للتكيف مع تأثير التعريفات الجمركية المحتملة.

ولن يكون تأثير التباطؤ في قطاع الإسكان كارثياً على الاقتصاد الأمريكي، رغم تأثيره المتقلب على معدلات النمو، فبينما انعكس تباطؤ الاستثمار السكني على أداء الناتج المحلي الإجمالي خلال الفصول الأخيرة يبدو أن الأسواق المالية قد استوعبت هذه التحديات مسبقاً، وأخذتها في الحسبان عند تقييم أسهم شركات البناء.