روبرت أرمسترونغ

التضخم يرتفع.. ليس من المحتمل أن يرتفع، ولا هي مسألة تتوقف على ما يدرج أو يستبعد من الحسابات، بل هو يرتفع فعلياً. وليس السبب وراء ذلك عملية حسابية معقدة تجريها وزارة التجارة لتقدير بعض الأسعار، ولا عنصراً شديد التقلب يشوش المؤشر بأكمله. 

وكما يشير عمير شريف من مؤسسة «إنفليشن إنسايتس»، فقد بدأ التضخم الأساسي المستند إلى أسعار السوق (أي من دون أسعار مقدرة) في الارتفاع هو الآخر، بعد أن ظل مستقراً لأكثر من عام. والأمر نفسه ينطبق على معدل التضخم المعدل باستخدام متوسط النسب لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي.

الأهم من ذلك، أن هذا الارتفاع في التضخم لا يمكن رده إلى الرسوم الجمركية وحدها. وفي هذا السياق، هناك نقطتان جديرتان بالملاحظة: أولاً: إن صعود أسعار السلع – التي كانت تشهد تراجعاً واضحاً في أواخر عام 2024 – سبق فرض الرسوم الجمركية في «يوم التحرير» بأشهر عدة.

ثانياً،: رغم التراجع الطفيف في تضخم أسعار الخدمات خلال عام 2025، إلا أنه لم يهبط إلا ليعود إلى المستويات التي سجلها في عام 2024. وبحسب متوسط الحركة الشهرية، فقد بلغت النسب في الأشهر الأربعة الأخيرة 2.6%، 1.8%، 2.4%، و2.6% على التوالي.

ويشير شريف إلى أن الجزء الأكبر من التحسن في تضخم الخدمات الأساسية يعزى إلى انخفاض أسعار الخدمات المالية، وهو انخفاض يعكس جزئياً أثراً متأخراً للانهيار السوقي الذي وقع في شهري أبريل ومايو – غير أن هذا الأثر قد لا يدوم طويلاً.

ويؤكد جيسون فورمان من جامعة هارفارد كذلك أن الرسوم الجمركية ليست السبب الوحيد في ما يحدث حالياً، ويقول: «ما يدعو للقلق أكثر هو التضخم غير المرتبط بالرسوم، لأنه قد يكون أكثر استمراراً.

ولو افترضنا أن التضخم الأساسي يبلغ 2.2% وأن الرسوم الجمركية أضافت النسبة المتبقية، لما كان الوضع جيداً، لكنه أيضاً لا يدعو للذعر. غير أن التضخم الأساسي الشامل لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي يبلغ 3%، ولم أر تحليلاً واحداً يرجع النقطة المئوية الكاملة إلى الرسوم الجمركية، حيث إن كل التحليلات تشير إلى أعشار قليلة من النقطة المئوية».

وحسب تقديرات عمير شريف، فإن الرسوم الجمركية أضافت حالياً ما بين 0.15 و0.2% على أساس سنوي إلى معدلات التضخم. أما «غولدمان ساكس»، فقد رجحت مطلع هذا الشهر أن تأثير الرسوم على الأسعار المسجلة حتى تاريخه في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي لم يتجاوز 0.1%.

ويشدد جيسون فورمان على أن فكرة وجود تضخم جوهري أعلى بكثير من المستهدف تتوافق مع المستويات الحالية لنمو الأجور، وهنا يقول: «مؤشر تكلفة التوظيف، ومتوسط الأجور في الساعة، ومؤشر بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا لنمو الأجور، جميعها تظهر نمواً في الأجور متوقعاً في بيئة تضخم تبلغ 2.75%، لذلك فإن القول إن التضخم، باستثناء الرسوم، يبلغ 2.5% أو 2.75% أو حتى 3% ليس طرحاً غير منطقي».

صحيح أننا بعيدون عن الفترة البائسة لعام 2022، ويبدو من غير المرجح أن نعود إليها، لكن يجب أن نكون واضحين: التضخم، الذي بدا قبل عام وكأنه أوشك على الانتهاء، ما زال حاضراً ويتجه بلا شك في المسار الخاطئ.

وهكذا، فإن خفض معدلات الفائدة سيكون قراراً خاطئاً في الوقت الراهن. وعلى المستثمرين أن يأخذوا في الحسبان سيناريو قد تتسارع فيه وتيرة الأسعار فيما يبدو الطلب الاستهلاكي في طريقه للضعف.