سوزانا سافدج

تحلق مروحية على ارتفاع منخفض فوق الغابات الكثيفة، التي تغطي الأراضي الحدودية الشمالية لساحل العاج، وبينما يمسك طيار فرنسي بمقودها، فهو يراقب جيداً الطرق الفرعية بحثاً عن شاحنات، ويتفحص النهر لرصد قوارب الكانو، التي تبحر تحت الأغطية، وهو هنا لا يبحث عن مخدرات أو أسلحة، بل عن أكياس ممتلئة بحبوب الكاكاو.

يأتي ذلك في إطار حرب صامتة على تجارة الكاكاو المهرب، وهي تجارة غير شرعية تقدر قيمتها بملايين الدولارات، شهدت ازدهاراً كبيراً منذ بداية عام 2024، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار الكاكاو العالمية، وتتسبب هذه التجارة في فجوات مالية ضخمة في موازنات أكبر دولتين منتجتين للكاكاو في العالم، هما ساحل العاج وغانا، كما يلقي ذلك بظلال ثقيلة على قطاع صناعة الشوكولاته.

ويقول الطيار، وهو أيضاً مستشار حكومي طلب عدم الكشف عن هويته: «التحقيقات في تجارة الكاكاو باتت الآن أكثر خطورة من التحقيقات في تهريب الأسلحة»، واصفاً الوضع بأنه «أشبه بتجارة الكوكايين في كولومبيا وأدغال الأمازون».

وقفزت أسعار الكاكاو العالمية لتتخطى حاجز 10 آلاف دولار للطن، خلال الأشهر الأخيرة، وتضاعفت بأكثر من ثلاث مرات منذ أوائل عام 2023، بسبب التغيرات المناخية، وتفشي الأمراض في المحاصيل.

ورغم ذلك فإن القيود التي تفرضها الدول على الأسعار في ساحل العاج وغانا، اللتين تنتجان معاً نحو ثلثي المحصول العالمي من الكاكاو، تعني أن المزارعين المحليين لا يحصلون إلا على النزر اليسير من القيمة السوقية لمحاصيلهم، لذلك يسعى العديد من المزارعين جاهدين للالتفاف على هذه القيود، ببيعهم الحبوب إلى وسطاء، يهربونها بدورهم إلى الدول المجاورة، حيث تباع بأسعار السوق.

وتظهر البيانات الحكومية أن الموسم بين عامي 2023 و2024 شهد تهريب قرابة 150 ألف طن من حبوب الكاكاو خارج غانا، أي ما يصل إلى ربع ناتج البلاد من السلعة وفق بعض التقديرات، بينما شهدت ساحل العاج تهريب 200 ألف طن إضافية.

ومن المرجح أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك، بحسب مصادر في الصناعة، مع إفادات من دول قريبة مثل بوركينا فاسو، وتوغو، وسيراليون، بوجود طفرة في الصادرات رغم عدم إنتاج أي منها للكاكاو تقريباً.

تسلك أغلبية عمليات التهريب مسارات معروفة جيداً، حيث تتحرك الحبوب عبر المزارع الشمالية المتاخمة لحدود بوركينا فاسو إلى غينيا أو توغو، حيث تخضع للغسل في مستودعات، ثم تُصدر كما لو كانت منتجاً محلياً.

وينتهي الأمر بالحبوب غير المشروعة إلى مراكز معالجة كبيرة للكاكاو، في دول مثل بلجيكا وهولندا، حيث تُطحن لكي تصير بودرة أو زبدا، قبل بيعها إلى مصانع إنتاج الشوكولاته، التي تبيعها بعد ذلك في أرجاء العالم.

وقال نيكو ديبينهام، تاجر الكاكاو السابق، الذي يعمل مستشاراً للعديد من الحكومات في غرب أفريقيا: إن العديد من مسارات التهريب هذه كانت تستخدم لتمويل الأسلحة والمتمردين في الحروب الأهلية السابقة، التي مرت بها ساحل العاج، و«الآن أعادوا استخدامها من جديد».

وكانت ساحل العاج وغانا رفعتا أسعار الشراء بأكثر من الضعف منذ عام 2023، وهي الأسعار المصممة في الأساس لحماية المزارعين من الانخفاضات، التي تشوب السوق.

وقد ازدادت أسعار الشراء لتقليل الفجوة بين أسعار السوق والأسعار، التي يحصل عليها المزارعون، لكن هؤلاء ومعهم خبراء، يقولون، إن الزيادات لا تقترب بأي حال من الأحوال من المستويات المطلوبة.

وفي حين تدفع غانا، على سبيل المثال، حوالي 4800 دولار مقابل الطن الواحد للمزارعين فإن المهربين يمكن لهم الحصول على ضِعف هذا المبلغ تقريباً عند إعادة بيعهم للحبوب في غينيا أو ليبيريا، حيث يدفع المشترون ما يصل إلى 9000 دولار للطن، ولا يحصل المزارعون أنفسهم إلا على حصة ضئيلة من هذه الزيادة، فيما تتجه هوامش الربح الأكبر إلى جهات أخرى في سلسلة التهريب.

وتحاول الحكومة الإيفوارية قمع هذه التجارة غير المشروعة، لذلك فقد قامت العام الماضي بتصنيف تهريب الكاكاو «جريمة اقتصادية»، ومنحت مجلس الكاكاو سلطات أكبر في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المهربين، وحولت كل عمليات التقاضي إلى محكمة مالية متخصصة، لكن المسؤولين عن مواجهة عمليات يتفقون على أن أكبر تحدٍ يواجهونه، يتمثل في الفساد، وقد أوقف بالفعل خمسة من كبار المسؤولين في مدينة سيبيلو الإيفوارية الحدودية الواقعة على الحدود الغربية، بينهم مفوض الشرطة، ورئيس مصلحة الجمارك، وكذلك محافظ المدينة، في وقت مبكر من العام الجاري بدعوى حصولهم على رشاوى من المهربين.

وبالعودة إلى الطيار الفرنسي، فحينما يلحظ مهربين من على متن مروحيته فإنه يبدأ في استعمال مكبرات صوت تأمر الشاحنات بالتوقف على جانب الطريق لكي تخضع لتفتيش قوات الكوماندوز الإيفوارية على الأرض، لكنه أوضح أن الأطنان الخمسة، التي تصادرها قوات الكوماندوز على سبيل المثال قد تصبح ثلاثة أطنان بحلول الوقت، الذي تتسلم فيه الصحافة إفادة عن عملية المصادرة، وذلك لأنه «يكون قد تم الاستيلاء على طنين بطريقة ما».

ويفاقم هذا التهريب من الصعوبات المالية لدى كل من غانا وساحل العاج، حيث تعتمد كلتا الدولتين على إيرادات صادراتهما من الكاكاو، ليس فقد لتمويل الإنفاق العام، وإنما كذلك لخدمة الديون الخارجية، بما في ذلك القروض المضمونة بسلع.

وذكر نيكو ديبينهام أن تأخير تسليم حوالي 370 ألف طن من الكاكاو في الموسم الماضي، ما يعزى جزئياً إلى التهريب، أسفر عن اختناقات في عمليات السداد بأنحاء القطاع بأسره في غانا، التي ما زال اقتصادها يحاول التعافي من التخلف عن سداد ديون سيادية في عام 2022، إلى جانب حزمة إنقاذ من جانب صندوق النقد الدولي.

كما تباطأ النمو في ساحل العاج، التي لطالما كان ينظر إليها على أنها بقعة مضيئة في غرب أفريقيا، وقد ارتفعت مستويات الدين مع تزايد اعتماد الماليات العامة للبلاد على إيرادات صادرات الكاكاو، وهي التي تشكل ما يتراوح بين 15% و20% من الناتج المحلي الإجمالي تقريباً.

وبالنسبة للمزارعين والمجتمعات منخفضة الدخل المعتمدة على الكاكاو، فتؤدي هذه المشكلات الاقتصادية إلى تفاقم تداعيات تباين الأسعار، وتزيد من وتيرة وسطوة التهريب، ولفتت مصادر في السوق إلى أن الفجوة غير المقبولة بين الأسعار العالمية والمحلية تشي بأن السلطات في كل من غانا وساحل العاج لن يتوفر لديها خيار سوى زيادة الأسعار المحلية.

وقال ديبينهام: «تعد غانا في أمسّ الحاجة لمحاولة وقف التهريب»، مضيفاً أن السلطات تريد الإشراف كلياً على جمع الكاكاو من المزارع حتى نقله إلى الموانئ «لإيقاف المهربين عن شحنه إلى توغو ودول أخرى».

وأشار إلى أن زيادة غانا للأسعار قد تعزز من الضغوط على ساحل العاج، لافتاً إلى أن الجهة الحكومية التنظيمية، وتدعى مجلس القهوة والكاكاو، قد تضطر إلى «رفع أسعارها للغاية إذا أرادت وقف التهريب من ساحل العاج إلى غانا».

ومن شأن التدابير التنظيمية الأوروبية الجديدة أن تسهم في معالجة هذه المشكلة، فاعتباراً من شهر ديسمبر من العام الجاري، يجب أن يكون الكاكاو الوافد إلى أوروبا، بموجب لائحة إزالة الغابات في الاتحاد الأوروبي، قابلاً للتتبع، لذا قد تستبعد حبوب الكاكاو المهربة من القارة، بما أنها غير قابلة للتتبع.

ويرى دوغلاس لامونت، الرئيس التنفيذي لشركة «تونيز تشوكولونلي»، الذي يدفع باتجاه تنفيذ لائحة الاتحاد الأوروبي، أن اللائحة من المحتمل أن تغير من واقع الأمور في مكافحة التهريب، وذلك عن طريق مساعدتها في إتاحة سوق أكثر استقراراً وشفافية للكاكاو.

وقال: «لن تكون الشركات قادرة على شراء المحصول المهرب، لأننا لن تتوفر لدينا البيانات الخاصة بتتبعه»، وبين أن الصناعة بإمكانها «تفادي سيناريوهات يصبح فيها التهريب شديد الجاذبية»، لكن يكتنف قدر من عدم اليقين هذه اللائحة الجديدة، مع مطالبة عملاقة تصنيع الشوكولاته «مونديليز» وآخرين بإرجاء إنفاذ القانون، أما الواقفون على الخطوط الأمامية للمعركة فالوقت ليس حليفهم، فالمزارعون سيرغبون دائماً في بيع محاصيلهم إلى المهربين حينما يعرفون من آخرين في قرى مجاورة أنهم حصلوا على أسعار أفضل مقارنة بتلك التي تقدمها الحكومة.