يأتي ذلك في إطار حرب صامتة على تجارة الكاكاو المهرب، وهي تجارة غير شرعية تقدر قيمتها بملايين الدولارات، شهدت ازدهاراً كبيراً منذ بداية عام 2024، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار الكاكاو العالمية، وتتسبب هذه التجارة في فجوات مالية ضخمة في موازنات أكبر دولتين منتجتين للكاكاو في العالم، هما ساحل العاج وغانا، كما يلقي ذلك بظلال ثقيلة على قطاع صناعة الشوكولاته.
ورغم ذلك فإن القيود التي تفرضها الدول على الأسعار في ساحل العاج وغانا، اللتين تنتجان معاً نحو ثلثي المحصول العالمي من الكاكاو، تعني أن المزارعين المحليين لا يحصلون إلا على النزر اليسير من القيمة السوقية لمحاصيلهم، لذلك يسعى العديد من المزارعين جاهدين للالتفاف على هذه القيود، ببيعهم الحبوب إلى وسطاء، يهربونها بدورهم إلى الدول المجاورة، حيث تباع بأسعار السوق.
وتظهر البيانات الحكومية أن الموسم بين عامي 2023 و2024 شهد تهريب قرابة 150 ألف طن من حبوب الكاكاو خارج غانا، أي ما يصل إلى ربع ناتج البلاد من السلعة وفق بعض التقديرات، بينما شهدت ساحل العاج تهريب 200 ألف طن إضافية.
ومن المرجح أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك، بحسب مصادر في الصناعة، مع إفادات من دول قريبة مثل بوركينا فاسو، وتوغو، وسيراليون، بوجود طفرة في الصادرات رغم عدم إنتاج أي منها للكاكاو تقريباً.
تسلك أغلبية عمليات التهريب مسارات معروفة جيداً، حيث تتحرك الحبوب عبر المزارع الشمالية المتاخمة لحدود بوركينا فاسو إلى غينيا أو توغو، حيث تخضع للغسل في مستودعات، ثم تُصدر كما لو كانت منتجاً محلياً.
وقال نيكو ديبينهام، تاجر الكاكاو السابق، الذي يعمل مستشاراً للعديد من الحكومات في غرب أفريقيا: إن العديد من مسارات التهريب هذه كانت تستخدم لتمويل الأسلحة والمتمردين في الحروب الأهلية السابقة، التي مرت بها ساحل العاج، و«الآن أعادوا استخدامها من جديد».
وقد ازدادت أسعار الشراء لتقليل الفجوة بين أسعار السوق والأسعار، التي يحصل عليها المزارعون، لكن هؤلاء ومعهم خبراء، يقولون، إن الزيادات لا تقترب بأي حال من الأحوال من المستويات المطلوبة.
وفي حين تدفع غانا، على سبيل المثال، حوالي 4800 دولار مقابل الطن الواحد للمزارعين فإن المهربين يمكن لهم الحصول على ضِعف هذا المبلغ تقريباً عند إعادة بيعهم للحبوب في غينيا أو ليبيريا، حيث يدفع المشترون ما يصل إلى 9000 دولار للطن، ولا يحصل المزارعون أنفسهم إلا على حصة ضئيلة من هذه الزيادة، فيما تتجه هوامش الربح الأكبر إلى جهات أخرى في سلسلة التهريب.
وذكر نيكو ديبينهام أن تأخير تسليم حوالي 370 ألف طن من الكاكاو في الموسم الماضي، ما يعزى جزئياً إلى التهريب، أسفر عن اختناقات في عمليات السداد بأنحاء القطاع بأسره في غانا، التي ما زال اقتصادها يحاول التعافي من التخلف عن سداد ديون سيادية في عام 2022، إلى جانب حزمة إنقاذ من جانب صندوق النقد الدولي.
وبالنسبة للمزارعين والمجتمعات منخفضة الدخل المعتمدة على الكاكاو، فتؤدي هذه المشكلات الاقتصادية إلى تفاقم تداعيات تباين الأسعار، وتزيد من وتيرة وسطوة التهريب، ولفتت مصادر في السوق إلى أن الفجوة غير المقبولة بين الأسعار العالمية والمحلية تشي بأن السلطات في كل من غانا وساحل العاج لن يتوفر لديها خيار سوى زيادة الأسعار المحلية.
وأشار إلى أن زيادة غانا للأسعار قد تعزز من الضغوط على ساحل العاج، لافتاً إلى أن الجهة الحكومية التنظيمية، وتدعى مجلس القهوة والكاكاو، قد تضطر إلى «رفع أسعارها للغاية إذا أرادت وقف التهريب من ساحل العاج إلى غانا».
ومن شأن التدابير التنظيمية الأوروبية الجديدة أن تسهم في معالجة هذه المشكلة، فاعتباراً من شهر ديسمبر من العام الجاري، يجب أن يكون الكاكاو الوافد إلى أوروبا، بموجب لائحة إزالة الغابات في الاتحاد الأوروبي، قابلاً للتتبع، لذا قد تستبعد حبوب الكاكاو المهربة من القارة، بما أنها غير قابلة للتتبع.
ويرى دوغلاس لامونت، الرئيس التنفيذي لشركة «تونيز تشوكولونلي»، الذي يدفع باتجاه تنفيذ لائحة الاتحاد الأوروبي، أن اللائحة من المحتمل أن تغير من واقع الأمور في مكافحة التهريب، وذلك عن طريق مساعدتها في إتاحة سوق أكثر استقراراً وشفافية للكاكاو.
وقال: «لن تكون الشركات قادرة على شراء المحصول المهرب، لأننا لن تتوفر لدينا البيانات الخاصة بتتبعه»، وبين أن الصناعة بإمكانها «تفادي سيناريوهات يصبح فيها التهريب شديد الجاذبية»، لكن يكتنف قدر من عدم اليقين هذه اللائحة الجديدة، مع مطالبة عملاقة تصنيع الشوكولاته «مونديليز» وآخرين بإرجاء إنفاذ القانون، أما الواقفون على الخطوط الأمامية للمعركة فالوقت ليس حليفهم، فالمزارعون سيرغبون دائماً في بيع محاصيلهم إلى المهربين حينما يعرفون من آخرين في قرى مجاورة أنهم حصلوا على أسعار أفضل مقارنة بتلك التي تقدمها الحكومة.
