قبل عام واحد فقط، بلغت شركة «نوفو نورديسك» الدنماركية قمة نجاحها، فقد كانت أول من طرح علاجاً لمرض السكري عن طريق الحقن، وسرعان ما أصبح اسم «أوزيمبك» مرادفاً لفئة جديدة من أدوية إنقاص الوزن الأكثر مبيعاً.
لكن المنافسة تصاعدت، وخيبت تجربة دواء جديد للشركة الآمال، فتراجعت أسهمها وتوقعات نموها، واستقال رئيسها التنفيذي في مايو الماضي. ثم منذ أيام، أطاح تحذير بشأن الأرباح بأكثر من 60 مليار يورو من قيمتها السوقية. وأعلنت الشركة تعيين مازيار مايك دوستدار رئيساً تنفيذياً جديداً.
ويرى البعض أن مشكلة «نوفو نورديسك» الأساسية بسيطة جداً، وهي أن منافستها الأمريكية «إيلي ليلي» قدمت منتجاً أفضل. فقد بينت التجارب تفوق عقاري «مونجارو» و«زيباوند» من «ليلي» على «أوزيمبك» و«ويجوفي» من «نوفو» في خفض الوزن.
وبشكل رسمي أفاد الأطباء أن أدوية «ليلي» تسبب آثاراً جانبية أقل. وبات كثير من المساهمين والمحللين يرون حالياً أن السوق أصبح الآن بيد «إيلي ليلي».
وذهب مايك دوستدار، إلى أن «نوفو» ما زال أمامها فرص هائلة في سوق إنقاص الوزن، وأن الشركة لديها مجموعة أدوية يمكنها الاستفادة منها. وقال: «هذه سوق تضم أكثر من مليار حالة مرضية وكماً مهولاً من الطلب لم تتم تلبيته»، وتابع: «أعتقد أننا في وضع جيد للغاية بإمكانياتنا التصنيعية، وعلومنا، وأنشطتنا التسويقية، علاوة على تميز علامتنا التجارية».
وجاء الاضطراب في «نوفو نورديسك» بعد أن حققت نجاحات باهرة، ففي قمتها خلال شهر يونيو الماضي، كانت أسهمها ارتفعت بنسبة 300 % خلال ثلاث سنوات، مع ارتفاع الطلب على أدوية إنقاص الوزن.
وكانت «نوفو» أول شركة تحصل على الموافقة التنظيمية الأمريكية لعلاجاتها الجديدة لمرض السكري وأدوية إنقاص الوزن، حيث وافقت السلطات على دواء «أوزيمبك» لمرض السكري عام 2017، ودواء «ويجوفي» لعلاج السمنة في 2021.
وبعدما حظيت بالريادة في السوق، أظهرت بيانات الوصفات الطبية لشهر يوليو تراجع حصة «أوزيمبك» إلى أقل من 50 % للمرة الأولى. ووفقاً لشركة الأبحاث «آي كيو فيا» تم وصف دواء «مونجارو» الذي طورته «إيلي ليلي» 622.000 مرة بشكل أسبوعي مقابل وصف «أوزيمبك» 607.000 مرة، بينما تخطت مبيعات «زيباوند» مبيعات «ويجوفي» بالفعل.
وانخفضت أسهم «نوفو» بنسبة 60 % خلال العام الماضي، مقابل تراجع أسهم «ليلي» بنسبة 6 %. وقال البعض: إنه تم توجيه اللوم بشكل غير عادل إلى لارس فرويرغارد يورغنسن، الرئيس التنفيذي السابق لـ«نوفو»، لعدم حفاظه على سعر السهم، الذي رأى البعض أنه سجل «مستويات غير معقولة».
ويرى آخرون أن «نوفو نورديسك» ارتكبت بعض الأخطاء حتى قبل إطلاق هذه الأدوية، ما تسبب في إخفاقها في الاستعداد لتلبية للطلب المتزايد. كما أن الشركة لم تغير استراتيجيتها بالسرعة الكافية في الولايات المتحدة حينما اتضح أن الناس سعداء بتخطي عقبة التأمين الصحي وتمكنهم من شراء أدوية إنقاص الوزن.
وكافحت نوفو في البداية لتلبية طلب أعلى بكثير مما كان متوقعاً، لكن مصادر مقربة من الشركة قالت إنه رغم أن وجود سوق ضخم كان متوقعاً، إلا أنه «كان من الجنون توقع هذه الزيادة السريعة في الطلب، وكان على نوفو أن تحذر من إنتاج فائض يتجاوز تاريخ انتهاء الصلاحية، ويصبح غير قابل للبيع».
وأضافت المصادر: إن «نوفو» سارعت بتعزيز إنتاجها عن طريق استحواذها على مصانع من شركة «كاتالينت» المصنعة للأدوية بالتعاقد. رغم ذلك، يعتقد بعض المحللين أن سوء تقديرات الشركة في وقت مبكر كان له تأثير طويل الأمد.
وذلك لأنه عندما واجه الأطباء والمرضى صعوبة في الحصول على أدوية نوفو، تحولوا إلى ليلي أو إلى بدائل كانت متاحة على نطاق واسع في ذلك الوقت، ولم يعودوا إلى «نوفو» مرة أخرى. وصحيح أن «ليلي» واجهت أيضاً بعض المشكلات المبكرة في الإمداد لكن تم حلها بشكل أسرع.
في الوقت نفسه، اتخذت «نوفو» قراراً بإطلاق منتجاتها في أسواق عالمية جديدة، بينما كانت لا تزال تواجه تحديات في تلبية الطلب المتزايد بالولايات المتحدة. كما واجهت نوفو تحدياً كبيراً في التكيف مع ديناميكية سوق أدوية إنقاص الوزن.
فبينما كانت الشركة متمرسة في تسويق منتجات الأنسولين، التي تعتمد بشكل أساسي على الأبحاث العلمية وإقناع الأطباء، وجدت الشركة نفسها فجأة أمام سوق مختلف تماماً، يتسم بتركيزه الشديد على المستهلكين ويتأثر بشكل كبير بالمشاهير. ووصف المصدر المقرب من الشركة هذا التحول بأنه كان «منطقة مجهولة تماماً» بالنسبة لنوفو.
من جانبها، تمكنت «إيلي» من إدراك ديناميكية السوق بشكل أسرع، فأطلقت «ليلي دايركت» بداية 2024 لبيع الأدوية مباشرة للمرضى بأسعار أقل. ولم تحذو «نوفو» حذو منافستها إلا في مارس 2025، حينما أطلقت خدمة مماثلة تدعى «نوفو كير».
كما وقعت الشركة الدنماركية عقداً حصرياً مع شركة «سي في إس» الأمريكية لإدارة الصيدليات، التي أعلنت أخيراً أن دواء «ويجوفي» هو الأكثر تفضيلاً لعلاج السمنة.
ويرى محللون أن «إيلي ليلي»، وبسبب وجود مقرها بالولايات المتحدة، اتخذت قرارات مختلفة بسبب «ثقافتها». وأوضح أن ليلي توفر لديها فهم كاف مكنها من قراءة المشهد فيما يتعلق بالفوارق الدقيقة بسوق الولايات المتحدة والرعاية الصحية فيها.
ويتطلع المستثمرون بالفعل إلى الجيل التالي من علاجات السمنة، ويعتقدون أن «ليلي» ستتمتع باليد العليا في هذا المضمار.
وجاء الانخفاض الحاد لأسهم «نوفو» في ديسمبر الماضي بعد النتائج المخيبة للآمال لدواء «كاجريسيما» الجديد لإنقاص الوزن عن طريق الحقن. واشتكى محللون من أن الشركة أفرطت في ثقتها بشأن إنقاص الدواء للوزن بنسبة 25 % في المتوسط.
ولم تحذر المرضى أنه يمكنهم التحكم في الجرعة بأنفسهم. وأظهرت نتائج التجارب السريرية، فقدان المرضى للوزن بنسبة 23 % في المتوسط. كما أظهرت نتائج المشاركين في التجارب أن متوسط إنقاص«ويجوفي» للوزن كان 16 %، و«مونجارو» الذي طورته «ليلي» 21 %.
وبينما صدرت انتقادات من المستثمرين لعدم تحقيق الدواء لمستهدف إنقاص الوزن، إلا أن كثيرين يرون أن «كاجريسيما» لا يزال يتمتع بإمكانية «إطلاق جيد ومفاجئ» إذا رأى الأطباء أنه فعال، لكن في كل الأحوال تحتاج «نوفو» لتسريع تطوير أدويتها، أو القيام بعمليات استحواذ.
وقد أبرمت الشركة صفقات عدة لا تزال في مراحلها المبكرة، لكن يرجح أن غالبية أدوية إنقاص الوزن التي تعمل عليها لن تصل السوق قبل نهاية العقد الجاري.
كذلك ستحتاج «نوفو» إلى التحرك بشكل أسرع إذا كان دواء السمنة عن طريق الفم «أورفورجليبرون»، من شركة «ليلي»، والذي يحتمل طرحه العام المقبل، لديه تقييم جيد من حيث آثاره الجانبية.
ويتوقع أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، سيتم إطلاق هذا الدواء بسرعة شديدة، وسيتسبب في تناقص سوق الأدوية عن طريق الحقن، ما سيمثل ضغطاً إضافياً على نوفو.
وتقدمت «نوفو» للجهات التنظيمية بنسخة تؤخذ عن طريق الفم من «سيماجلوتيد»، وهي المادة الفعالة في كل من «أوزيمبك» و«ويجوفي» لكن رغم أنها أقراص، إلا أن المرضى سيكون عليهم توخي الحذر بشأن تناولها، لأنه لا يمكن تناولها مع الطعام، أو الشراب، أو أي أدوية أخرى، وإن كان شخص على صلة بالشركة أشار إلى أن «نوفو» لا تعتقد أن تناول الأقراص سيتسبب في مشكلة.
ويبدو أن نوفو راهنت رهاناً كبيراً على «كاجريسيما»، بينما وزعت «ليلي» رهاناتها على مجموعة أوسع من الأدوية لتكتشف ما الذي يمكن أن ينجح. وفي حين تمثل «ليلي» أكبر تهديد لـ«نوفو» حالياً، إلا أن كلا الشركتين تواجهان منافسة من شركات أدوية أخرى، مثل «روش» و«أمجين»، و«أسترازينيكا»، التي تعمل على تطوير أدوية منافسة.
وقال مصدر على صلة وثيقة بـ«نوفو»، إن هناك اعترافاً من جانب الشركة بحاجتها إلى أن تصبح أكثر تركيزاً على المستهلكين وعلى «الحماس» بشأن التوصل إلى الاستراتيجية الصائبة. وأضاف «إنهم يتحدثون الآن عن كيفية تغيير مسار هذه السفينة الكبيرة».
وأكد تحذير «نوفو» الأخير بشأن الأرباح ورد فعل السوق، المهمة الشاقة والملحة التي تواجه مازيار مايك دوستدار. ولدى سؤاله بعد ساعات من تعيينه رئيساً تنفيذياً للشركة عن تعثر أسعار الأسهم، رد بصراحة:
«رسالتي هي أنني لا أحب ذلك بالمرة، لا أحبه كموظف في الشركة، ولا أحبه كرئيس تنفيذي منتخب، وبالتأكيد لا أحبه كمساهم في الشركة». وقال «الانتكاسات ليست هي ما يحدد هوية الشركات، بل ردود الأفعال هي التي تحدد ذلك».