تدفع التصريحات الأمريكية الحادة، التي تطالب أوروبا بتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن نفسها، إلى موجة صعود جديدة في البورصات الأوروبية، وتحديداً لأسهم الشركات العاملة في القطاع الدفاعي.

ومع أن الحاجة إلى المعدات العسكرية من دبابات وجنود وذخيرة باتت ضرورة ملحة، إلا أن السؤال الأهم يدور في قدرة القطاع الصناعي الأوروبي على تلبية هذا الطلب المتزايد والاستفادة منه تجارياً.

وفي الوقت الذي تمكنت فيه الشركات الدفاعية الأمريكية من تحقيق عوائد مجزية لمستثمريها عبر الاستفادة من الأموال الحكومية في البحث والتطوير واستغلال حجم السوق الكبير والتقنيات المتطورة، تواجه نظيراتها الأوروبية تحدياً كبيراً بسبب تشتت السوق الأوروبية.

فكل دولة تطلب مواصفات مختلفة لمعداتها العسكرية، ما يؤدي إلى خسائر سنوية للاتحاد الأوروبي تتراوح بين 25 و100 مليار يورو، وفقاً لتقديرات المفوضية الأوروبية.

ويظهر ضعف السوق الأوروبية في اعتماد كبرى شركاتها على المبيعات في السوق الأمريكية. فعلى سبيل المثال، تستحوذ السوق الأمريكية على نحو 40% من مجمل مبيعات شركة «بي إيه إي سيستمز» وهو ما يفوق مبيعاتها في أوروبا والمملكة المتحدة مجتمعتين.

كما تشكل السوق الأمريكية أكثر من خُمس مبيعات شركة «إيرباص» وأكثر من ربع مبيعات شركة «ليوناردو» وفقاً لبيانات سنة 2023.

وعلى الرغم من استحالة تحقيق سوق أوروبية موحدة تضم نحو 30 دولة على النمط الأمريكي، فإن توحيد المعايير والمواصفات يبقى أمراً ممكناً.

وقد نجحت بعض الدول الأصغر حجماً في توحيد مواصفات أسلحتها مثل البنادق، وهو نموذج يمكن توسيعه للاستفادة من وفور الحجم وتحسين كفاءة استغلال الطاقة الإنتاجية.

ومن شأن تسهيل الاستثمارات المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي أن يعزز سلاسل التوريد، ويخفض تكاليف الإنتاج، فشركات التصنيع العسكري تعتمد على شبكة واسعة من القطع والمكونات، ما يجعلها المستفيد الأكبر من أي تكتل صناعي على المستوى الأوروبي.

وعلى الرغم من أن فكرة دمج كبرى الشركات الدفاعية الأوروبية تبدو ضرباً من الخيال، فإن التعاون بينها يظل ممكناً عبر تجميع الموارد في منصات التصنيع والبحث والتطوير والمشتريات المشتركة.

وتقدم شركة «إم بي دي إيه» مثالاً حياً على نجاح التعاون الأوروبي، فتجمع هذه الشركة المتخصصة في صناعة الصواريخ بين «بي إيه إي سيستمز» البريطانية و«إيرباص» الفرنسية و«ليوناردو» الإيطالية.

كما يشارك هذا الثلاثي في إنتاج المقاتلة الرئيسة «يوروفايتر». ومن جهة أخرى، دخلت «ليوناردو» في شراكة متساوية مع شركة «راينميتال» الألمانية لتطوير وتسويق دبابة القتال الإيطالية الجديدة.

ولكن التحديات أمام الصناعات الدفاعية الأوروبية كثيرة، وخاصة في مجال البرمجيات فتتخلف أوروبا عن الولايات المتحدة بمراحل كبيرة. ويعود هذا التفوق الأمريكي تاريخياً إلى الدور المحوري لوزارة الدفاع (بنتاغون) في تأسيس صناعة التكنولوجيا.

ويظهر حجم الفجوة في المقارنة بين شركة «هيلسنغ» الألمانية الناشئة في مجال الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي الدفاعي والتي تبلغ قيمتها 5 مليارات يورو، وعملاق البرمجيات الأمريكي «بالانتير» الذي تصل قيمته السوقية إلى 270 مليار دولار، أو شركة «أندوريل» الناشئة المنبثقة منه والتي تستهدف قيمة سوقية تصل إلى 28 مليار دولار.

ومع ذلك، شهدت الصناعات الدفاعية الأوروبية دفعة قوية منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ لم تكتفِ الشركات المصنعة بتجميع دفتر طلبات ضخم، بل عملت على تحسين كفاءة مصانعها وتطوير سلاسل التوريد الخاصة بها.

وتؤكد مصادر في القطاع تحسناً ملحوظاً في مواعيد تسليم المعدات، كما تتجه الشركات نحو تبني تقنيات إنتاج متطورة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد.

ولا يزال في الإمكان تحقيق مزيد من التقدم. فإذا كانت أوكرانيا قد نجحت في بناء قدرة إنتاجية للطائرات المسيرة من الصفر وصولاً إلى أكثر من 4 ملايين وحدة - وهي تخوض حرباً ضروساً - فيجب ألا يكون سد الثغرات والاستعداد لموجة الطلبات المتوقعة أمراً صعباً على الشركات الأوروبية العريقة.