كاميلا هودجسون - جوزيف كوتيريل - مونيكا مارك

منذ أن اكتشفت شركة «دي بيرز» الألماس في بوتسوانا عام 1967 شرعت الدولة حديثة الاستقلال حينها في مسار حولها إلى واحدة من أغنى بلدان أفريقيا، لكن بعد قرابة 6 عقود كشفت الهجمة الشرسة، التي شنتها حكومة بوتسوانا على صفقة بيع شركة «أنجلو أمريكان»، المالك الأكبر لـ«دي بيرز»، مدى التدهور الكبير في العلاقة الطويلة بين الطرفين.

والأسبوع الماضي، صرحت وزيرة المعادن لصحيفة «فايننشال تايمز» بأن الرئيس، دوما بوكو، جاد في مسعاه لتحويل حصة بوتسوانا البالغة 15 % في «دي بيرز» إلى «سيطرة كاملة على أصل وطني استراتيجي»، في وقت يشهد فيه سوق الألماس العالمي أسوأ ركود منذ عقود.

وفي خطاب ناري ألقاه هذا الشهر قال بوكو، إن بوتسوانا، المصدر الرئيسي لألماس «دي بيرز»، وتعتمد عليه في معظم صادراتها، أصبحت «مفلسة»، مضيفاً: إن «الشركة لم تقم بواجبها، لذلك ربما علينا الاستحواذ عليها، وبيع الألماس بأنفسنا».

وقبل أيام من انتهاء الموعد النهائي للعطاءات الأولية للاستحواذ على حصة الشركة البالغة 85 % أخذ المشترون المحتملون يفكرون فيما إذا كان بإمكان بوتسوانا حقاً إجراء عملية استحواذ، أم أنه مجرد تصريح ناري من حكومة صعدت إلى السلطة بوعود شعبوية، لكنها تعاني الآن ضائقة مالية حادة.

ويرى كيرون هودجسون، المحلل بشركة «بيل هانت»، أن الضائقة المالية، التي تعانيها بوتسوانا تعني أن احتمالات استحواذ الحكومة على «دي بيرز» تبدو «بعيدة المنال وغير مرجحة».

وستتمتع بوتسوانا بحق «الأفضلية» في عملية البيع باعتبارها واحدة من المساهمين، لكن يجب عليها جمع التمويل اللازم لتكون قادرة على إتمام عملية الاستحواذ في ضوء الضغوط على احتياطات البلاد من العملة الأجنبية، التي بلغت 3.5 مليارات دولار في مايو منخفضة من 4.8 مليارات على أساس سنوي، بحسب بيانات المصرف المركزي.

من جانبها، تتعرض «أنجلو أمريكان» لضغوط لبيع «دي بيرز» على وجه السرعة، ضمن عملية إعادة هيكلة تعهدت بها بعد تصديها لعملية استحواذ عدائية من جانب منافستها «بي إتش بي» العام الماضي، وأوضح خبراء في الصناعة أن الهجوم الحاد، الذي شنه بوكو «أثار استياء البعض، ولن يكون مفيداً في جذب شركاء للتمويل» لتقديم عروض أخرى.

ويعد بوكو، الذي انتخبته بوتسوانا رئيساً العام الماضي، أول رئيس للبلاد من خارج الحزب الديمقراطي في بوتسوانا، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عام 1966، وقد أدار الحزب الديمقراطي في البلاد مفاوضات منتظمة مع «دي بيرز»، تتعلق بالأحجار الكريمة، التي يتم إنتاجها من مشروع «ديبسوانا» المشترك، والمملوك مناصفة بين الجانبين، لكن العلاقات تدهورت عام 2023، مع تأثر الأسعار بالركود، الذي أصاب السوق العالمية للألماس.

وقبل إقالته بالتصويت العام الماضي اتهم موكغويتسي ماسيسي، سلف بوكو، شركة «دي بيرز» بأنها «بخست البلاد حقها» قبل الموافقة على اتفاقية مبيعات جديدة، مدتها 10 سنوات سمحت لبوتسوانا بالاحتفاظ بمزيد من إنتاج «ديبسوانا» لبيعه عبر شركة مملوكة للدولة. وذهب روناك غوبالداس، مدير شركة «سيغنال ريسك» للاستشارات، إلى أن الخطاب الأخير، الذي اعتمده بوكو «ربما كان تكتيكاً تفاوضياً، أي أنك تقول شيئاً متطرفاً ثم تفاوض للتوصل إلى حل وسط».

وأفادت مصادر على دراية بعملية البيع بأن اثنين من الرؤساء التنفيذيين السابقين لدى «دي بيرز»، وهما غاريث بيني وبروس كليفر كانا من بين الذين قدموا عروضاً للاستحواذ على الوحدة التي خفضت «أنجلو أمريكا» قيمتها مرتين خلال العامين المنصرمين إلى 4.9 مليارات دولار، منها نحو 2 مليار دولار مخزون.

وأعرب أكثر من 10 أطراف عن اهتمامهم بالاستحواذ على الوحدة، بينهم بعض المشترين للألماس الخام من «دي بيرز».

وتأثرت إيرادات شركة «دي بيرز» العام الماضي بشكل كبير، حيث بلغت نصف ما كانت عليه عام 2022، بسبب المنافسة من الألماس المصنع في المختبرات، وتراجع الطلب في أسواق رئيسية مثل الصين والولايات المتحدة، كما انخفض إنتاج المجموعة في بوتسوانا بنسبة 44 % على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة حتى يونيو، ليصل إلى 2.7 مليون قيراط.

وقال كيرون هودجسون إن تحقيق سعر بيع بنحو مليار دولار سيكون «نتيجة مرضية» بالنسبة لـ«أنجلو»، لافتاً إلى صعوبة تقدير قيمة مخزونات الشركة من الألماس، أما بول زيمينسكي المحلل المستقل للألماس فذكر أنه سيكون من «الخطأ» أن تبيع «أنجلو أمريكان» شركة «دي بيرز» بخصم كبير في خضم الضعف، الذي يعتري سوق الألماس حالياً.

وأوضحت شركة «أنجلو» أنها تتبع مساراً مزدوجاً لبيع شركة «دي بيرز»، حيث تستعد لاكتتاب عام أولي محتمل إذا لم تتلقَ عروضاً قوية بما فيه الكفاية من المشترين، وقد تشير المجموعة إلى أن العملية قد تمتد إلى العام المقبل، وأنها «تتواصل بالطبع مع حكومة بوتسوانا بانتظام».

وبما أن شركة «أنجلو» قد وجدت مشترين لأعمالها في الفحم والنيكل والبلاتين كجزء من إعادة هيكلتها قال زيمنسكي: «لا أرى سبباً للاندفاع في التخلص من شركة «دي بيرز» بأقل بكثير من قيمتها الدفترية». ويرى أن الشركة تستطيع «الانتظار لبضع سنوات أخرى للحصول على سعر عادل».

وحتى قبل تصريحات بوكو الأخيرة أشارت حكومة بوتسوانا إلى رغبتها في زيادة حصتها البالغة 15 % في الشركة، لكنها أحجمت عن فعل ذلك فيما مضى، بسبب المخاوف المالية، ولم تمارس البلاد حق الشفعة في عام 2011 في زيادة حصتها، بسبب حاجتها إلى تحقيق التوازن في موازنتها، وذلك حينما باعت أسرة أوبنهايمر، التي امتلكت حصة في «دي بيرز» منذ عام 1926، حصتها البالغة 40 %، مما مكن «أنجلو أمريكا» من بناء حصتها الحالية.

وقال شخص على اطلاع بالمفاوضات السابقة بشأن زيادة الحصة: «ما زال المنطق الذي ساد عمليات التفاوض عام 2011 قائماً، لكنه صار أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن، فحكومة بوتسوانا لا تتمتع بالسيولة، التي كانت تحظى بها يوماً»، واستعانت بوتسوانا مؤخراً بخدمات مصرف سي بي إتش السويسري لتقديم المشورة لها في عملية بيع «دي بيرز».

ومن الواضح أنه ليس هناك «وجهة نظر موحدة داخل الحكومة»، مع وجود خيارات أخرى تتمثل إحداها في ممارسة ضغوط على «دي بيرز» لتخفيض الأسعار بهدف تعزيز الطلب، أو توفير إمدادات أكبر للجهة الحكومية المسؤولة عن مبيعات الألماس.