بيجي هولينجر - ياسمين كراجس - ميرسين أوغلو

يشهد قطاع الاتصالات تنافساً محتدماً بين شركات الاتصالات العالمية، حيث تسعى كل منها إلى تمكين الهواتف المحمولة من الاتصال المباشر بالأقمار الاصطناعية.

وفي الولايات المتحدة، بدأت شركة تي - موبايل بتقديم خدمة ستارلينك لعملائها، في حين وعدت شركة فودافون بإطلاق خدمة مكالمات الفيديو عبر الأقمار الاصطناعية في أجزاء من أوروبا خلال العام الجاري.

وحققت الشركة مؤخرا إنجازاً تاريخياً بإجراء أول مكالمة فيديو عبر الأقمار الاصطناعية من منطقة نائية تفتقر إلى التغطية التقليدية.

في المقابل، تختبر تي - موبايل خدمة تتيح للمستخدمين الاتصال مباشرة بأكثر من 300 قمر اصطناعي من شبكة ستارلينك المملوكة لإيلون ماسك.

ورغم أن ذلك يعد تطوراً مهماً في عالم الاتصالات المتنقلة، إلا أن بعض الخبراء يبدون تشككاً في المزاعم المبالغ فيها التي تطلقها شركات الاتصالات حول أداء الخدمات الجديدة.

وتسعى شركات الاتصالات العالمية إلى حل مشكلة طالما أرقت المستخدمين في المناطق النائية والمعزولة - وهي انعدام التغطية الشبكية.

ففي هذه المناطق، يكون بناء أبراج اتصالات أو مد شبكات ألياف ضوئية إما مكلفاً للغاية أو غير مجدٍ اقتصادياً نظراً لقلة السكان. وتشير التقديرات إلى أن نحو 350 مليون شخص حول العالم لا يستطيعون الوصول إلى خدمات النطاق العريض عبر الهواتف المحمولة.

وخلافاً لهواتف الأقمار الاصطناعية التقليدية التي كانت كبيرة الحجم في التسعينيات، ستتيح هذه التقنية للمستخدمين الاتصال مباشرة بالأقمار الاصطناعية من هواتفهم الذكية الحديثة دون الحاجة إلى أجهزة خاصة.

وفي تصريحات لصحيفة فاينانشال تايمز، أوضحت مارغريتا ديلا فالي، الرئيسة التنفيذية لشركة فودافون، أن هذه التقنية «ستوفر خدمات الاتصال في مناطق لم نكن نحلم بالوصول إليها من قبل، بما في ذلك المناطق البحرية».

وأضافت إن المستخدمين سيتمكنون من إجراء المكالمات الصوتية وإرسال الرسائل النصية وتصفح الإنترنت ومشاهدة الفيديو، مؤكدة أنها «تجربة اتصال متكاملة» عبر الأقمار الاصطناعية.

ووفقاً لشركة نوفاسبيس المتخصصة في الاستشارات الفضائية، من المتوقع أن يصل حجم إيرادات هذا السوق إلى 42 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.

وقد جذبت هذه الإمكانات الهائلة استثمارات ضخمة في السنوات الأخيرة.

وكانت شركة آبل أول من دخل هذا المجال في 2022 عبر شراكة مع شركة «غلوبال ستار» الأمريكية للأقمار الاصطناعية، لتوفير خدمة رسائل الطوارئ على هواتف آيفون في المناطق التي لا تتوفر فيها شبكات المحمول، حيث استثمرت آبل 1.7 مليار دولار في هذه الشراكة. وتشير التقارير الأخيرة إلى احتمال توسيع نطاق الخدمة ليشمل الاتصال بشبكة ستارلينك.

من جانبها، نجحت شركة «إيه إس تي سبيس» موبايل الأمريكية، المالكة لأقمار بلوبيرد - التي تحمل أكبر نظام اتصالات تجاري في المدار الأرضي المنخفض - في تمكين مكالمة فيديو فودافون التاريخية.

ووفقاً لرئيس الشركة سكوت ويسنيوسكي، استقطبت الشركة استثمارات تتجاوز ملياري دولار، كما نجحت أخيراً في جمع 460 مليون دولار إضافية عبر طرح سندات قابلة للتحويل.

وعلى الرغم من الآمال المعقودة على تقنية الاتصال المباشر بين الأقمار الاصطناعية والهواتف المحمولة، يرى الخبراء أنها لن تكون بديلاً كافياً عن شبكات الهاتف المحمول التقليدية، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول الوعود المتفائلة التي تطلقها شركات الاتصالات.

ففي نيوزيلندا، رفعت هيئة المنافسة والتجارة دعوى قضائية ضد «وان إن زد» العام الماضي، متهمة الشركة بالمبالغة في تقديم وعود حول أداء خدمتها القائمة على شبكة «ستارلينك».

وحتى مع النجاح التقني الذي حققته فودافون في إجراء مكالمة الفيديو، يبقى التحدي الحقيقي في قدرة الشركة على تقديم هذه الخدمة، التي تستهلك كمية كبيرة من البيانات، بشكل مستقر ومستمر لأكثر من مستخدم في وقت واحد.

وتواجه تقنية الاتصال المباشر عبر الأقمار الاصطناعية تحديات تقنية كبيرة.

فهذه الخدمة ستعمل بسرعات متواضعة مقارنة بالشبكات الأرضية، كما تتطلب وجود خط رؤية مباشر بين الهاتف والقمر الاصطناعي، وستواجه صعوبات في اختراق المباني والأشجار الكثيفة.

ويوضح مايك تومبسون، مدير في شركة الاستشارات «أكسس بارتنرشيب»، السبب العلمي وراء ذلك قائلاً: «الأقمار الاصطناعية تبعد مئات الكيلومترات، بينما أبراج الاتصالات الأرضية قد تكون على بعد أقل من كيلومتر واحد، وبالتالي فإن قوانين الفيزياء تحتم ضعف الإشارة»، لكنه استدرك قائلاً إن هذه الخدمة ستكون مفيدة في حالات محددة، خصوصاً عند الحاجة لاتصال أساسي في حالات الطوارئ والكوارث.

,يرى تيم هات، رئيس الأبحاث في «جي إس إم إيه إنتليجنس»، أن سرعات الاتصال ستتحسن مع زيادة سعة الأقمار الاصطناعية مستقبلاً، لكنها ستظل دون مستوى الشبكات الأرضية.

وتضاف إلى هذه التحديات مشكلة أخرى: الحاجة لاستخدام الطيف الراديوي، وهو مورد محدود أصلاً تتنافس عليه مختلف خدمات الاتصالات اللاسلكية.

ويواجه مقدمو خدمات الاتصالات الفضائية معضلة حقيقية في الحصول على الطيف الترددي اللازم لخدماتهم.

فهم إما أن يعتمدوا على الطيف الأرضي الذي تمتلكه شركات المحمول - والذي دفعت فيه مليارات الدولارات - مع ما يصاحب ذلك من مخاطر تنظيمية ومشكلات تداخل الإشارات، أو أن يستخدموا الطيف المخصص للأقمار الاصطناعية المتنقلة، والذي تم تخصيص معظمه بالفعل.

من جهته، قال جوخان توك، المدير الأول للفضاء والاتصال في شركة «أكسيس بارتنرشيب»، إن قضية الطيف الترددي قد تكون «العقبة الكبرى» أمام تطوير منظومة الاتصال المباشر بالأجهزة، خصوصاً إذا أرادت الشركات تقديم خدمات الفيديو والبيانات الضخمة.

بدوره، أكد تيم فارار، الخبير في مجموعة «تي إم إف أسوشييتس»، أن سرعات الاتصال ستتراجع حتماً مع زيادة عدد المستخدمين.

وفي دراسة أجرتها «تي إم إف أسوشيتس» مع شركة ساميت ريدج الاستشارية، تبين أن خدمات الطوارئ والرسائل النصية هي الأكثر جدوى في المناطق المحرومة من تغطية المحمول.

وخلصت الدراسة إلى نتيجة مهمة: قد تجد شركات الاتصال المباشر نفسها تنفق مبالغ طائلة على تطوير خدمات عالية السرعة مقابل عائدات إضافية محدودة للغاية.