تقترب الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ما أسماه «يوم التحرير» من أن تتحوّل إلى واقع ملموس. ومن المنتظر أن تدخل التعريفات «المتبادلة» التي لوّح بها ترامب - وعُلقت مؤقتاً في أبريل الماضي عقب ردود فعل سلبية من الأسواق- حيّز التنفيذ اعتباراً من الأول من أغسطس.

وهناك إخفاق حتى الآن في التوصل إلى اتفاقات تجارية مع واشنطن من جانب الغالبية العظمى من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد أكبر شريك تجاري لها على الإطلاق.

ومن المنتظر أن يشكّل الأول من أغسطس اختباراً حاسماً لحالة الارتياح التي سادت الأسواق المالية منذ التراجع الجزئي الذي أعلنه ترامب في أبريل، والذي أبقى رغم ذلك على تعريفة أساسية بنسبة 10 %، إلى جانب رسوم أعلى على السيارات والفولاذ.

ويُمثل هذا الموعد لحظة مفصلية بالنسبة للاتحاد الأوروبي بالذات، والذي بات مطالباً بحسم موقفه سريعاً بشأن مدى استعداده للرد بقوة في حال فشل المحادثات. ذلك أن ترامب لا يبدو في عجلة من أمره للتوصل إلى اتفاق مع تكتل تجاري لا يُخفي ازدراءه له.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، وحينما بدأت المؤشرات تتبلور على إمكان التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، صعّد الرئيس الأمريكي من لهجته، رافعاً الرسوم التهديدية من 20 إلى 30 %.

ووفقاً لما كشفته صحيفة «فاينانشال تايمز» الأسبوع الماضي، فإنه عندما بدأ المفاوضون الأوروبيون يتعاملون على مضض مع نسبة 10 % التي اقترحها ترامب، عاجلهم الأخير بمطالبة جديدة تتراوح بين 15 و20 %.

ويواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في بلورة استراتيجية تفاوضية متماسكة. فالمفوضية الأوروبية كانت قد اتخذت في البداية موقفاً صارماً من تعريفة الـ10 %.

لكن بعد أن توصّلت المملكة المتحدة إلى اتفاق منفصل مع واشنطن، بدأت ألمانيا ودول أعضاء أخرى تتذبذب وتدفع باتجاه اتفاق مماثل. واليوم، ومع تصعيد ترامب من موقفه، يبدو أن برلين باتت تميل إلى نهج أكثر تشدداً.

وربما يتمثّل الخطأ الأكبر للاتحاد الأوروبي في اعتقاده بإمكان التفاوض على ترتيب تجاري تقليدي يقوم على المصالح المتبادلة، حتى لو أفضى إلى رسوم جمركية أمريكية أعلى من نظيرتها الأوروبية.

فقد قبلت المملكة المتحدة بقاعدة الـ10 % التي طرحها ترامب، رغم أن لديها عجزاً في ميزان السلع مع الولايات المتحدة. أما الاتحاد الأوروبي، الذي يتمتع بفائض تجاري ضخم، فلم يكن من الواقعي أن يظفر باتفاق مماثل. ورغم ذلك، بدت المفوضية مترددة في إبداء أي نية حقيقية للمقاومة.

وقد أعدّت المفوضية قائمة بـ«رسوم انتقامية» تصل قيمتها إلى 93 مليار يورو. وما تحتاج إليه الآن هو أن تُظهر استعدادها لتفعيل ترسانتها الواسعة من الأدوات غير الجمركية، بما يكشف عن كامل قدراتها. فـ«أداة مكافحة الإكراه» الأوروبية الجديدة تمنح بروكسل خيارات متعددة للرد القوي.

ويمكن أن تبدأ بإجراءات انتقائية تُخفّف الضرر على أوروبا، مثل استبعاد الشركات الأمريكية من المناقصات العامة، أو تعليق المعاملة التنظيمية المماثلة للمؤسسات المالية الأمريكية، أو فرض ضرائب على إيرادات الإعلانات لشركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة.

كما ينبغي أن تلوّح بإمكانية الذهاب أبعد من ذلك عند الحاجة. فمثل هذه الإجراءات من شأنها أن تخلق داخل أميركا قوى ضغط تدرك كُلفة سياسات ترامب التجارية، على غرار ما أحدثته التهديدات الانتقامية من كندا والمكسيك.

ومن المرجّح أن يردّ ترامب، لكن قدرته على التصعيد لم تعد كما كانت في السابق. فالرسوم الجمركية التهديدية بنسبة 30 % كفيلة بشلّ التجارة، وبالتالي فإن التهديد برفعها إلى 50 % أو حتى 100 % لن يحمل نفس التأثير.

والخطر الأكبر يكمن فقط في أن ينتقم ترامب بتقويض التزامات بلاده تجاه الأمن الأوروبي أو تجاه أوكرانيا. إلا أن الاتفاق المتعلّق بزيادة إنفاق دول حلف شمال الأطلسي «ناتو» بات منجزاً، كما أن تقاربه الأخير مع أوكرانيا يعود إلى رفض روسيا لمبادراته السلمية، وليس لكرمه تجاه كييف.

وتبقى المعضلة الأكبر التي تواجه الاتحاد الأوروبي هي توحيد مواقف الدول الأعضاء خلف استراتيجية واحدة. فإيطاليا وبعض دول الجناح الشرقي ما زالت مترددة في مواجهة ترامب.

وبعد أن أبدت المفوضية صبراً مع هذه الدول، تستطيع الآن أن ترد بأن المفاوضات النزيهة مع واشنطن قد استُنفدت بالكامل. وإذا لم يُبادر الاتحاد الأوروبي إلى استخدام أسلحته الثقيلة الآن، فإن تأثيرها سينعدم. وبالنظر إلى تقلبات ترامب، فإن الاتحاد سيكون بحاجة إلى هذه الأدوات حتى لو تم التوصّل إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة.