وعلى مقربة منه، ترتفع ناطحتا السحاب «بوسكو فيرتيكالي»، حيث تُباع الشقق السكنية بأسعار تصل إلى 25 مليون يورو، لمديري صناديق الأسهم الخاصة، ولاعبي كرة القدم، والمستثمرين القادمين من الشرق الأوسط.
لكن مكتب الادعاء العام في ميلانو ألقى مؤخراً ظلالاً من الشك على حلم كاتيلا، مطالباً بوضعه قيد الإقامة الجبرية بجانب خمسة آخرين، بما في ذلك عضو بالمجلس المحلي في المدينة، يُشتبه في مشاركتهم في إعادة إعمار المدينة.
ويخضع 15 شخصاً آخرون، بما في ذلك جيوزيبي سالا، عمدة المدينة، للتحقيق، ضمن تحقيق أوسع نطاقاً حول التوسّع العقاري السريع الذي شهدته ميلانو. ومن المُفترض بالرئيس التنفيذي لشركة «كويما» أن يمثل للتحقيق أمام قاض، والذي إما سيؤيّد أو سيرفض مطالبة مكتب المدعي العام باعتقاله.
وأسفر التحقيق واسع النطاق الذي استغرق أعواماً، وتضمّن التنصّت على مكالمات هاتفية ومصادرة للهواتف، عن تنفيذ الشرطة 24 عملية مداهمة في ربوع المدينة يوم الأربعاء الماضي.
ويهدد هذا التحقيق بالإطاحة بمجلس المدينة الذي يميل إلى يسار الوسط والذي ظل يحكم المدينة المزدهرة لما يقارب العِقد، وذلك قبل انتخابات عمدة المدينة المُقررة في العام المقبل. وصرح العمدة سالا، بأنه «مصدوم»، مُعرباً عن «إنكاره» لتفسير مكتب الادعاء العام للحقائق.
وفي عام 2015، استضافت ميلانو معرضاً عالمياً، فانتهزت الفرصة لتُبرز تحوّلها من عاصمة مالية تقليدية ومحافظة لإيطاليا إلى مدينة عالمية نابضة بالحياة.
ويُعزى هذا التحوّل بدرجة كبيرة إلى خطة لإعادة الإعمار الحضري، امتدت على مساحة 340,000 متر مربع، وأسهمت في إعادة تشكيل ملامح المدينة.
ومنذ استضافة المعرض، الذي شغل سالا منصب مديره العام، اجتذبت أسواق العقارات في المدينة استثمارات بقيمة 30 مليار يورو، علاوة على تدفق آلاف المقيمين الأثرياء من بقاع العالم، وكانت التخفيضات الضريبية السخية واحدة من العوامل التي استقطبت هؤلاء إلى إيطاليا.
ومنذ عام 2016، قدّمت إيطاليا للمقيمين الجدد بالمدينة معدلات ضرائب ثابتة على دخل غير محدود يحققونه خارج البلاد، وهي الرسوم التي ارتفعت من مبلغ سنوي قدره 100,000 يورو إلى 200,000 يورو في العام الماضي.
كما شهدت المدينة تأسيس نوادٍ خاصة للأعضاء على غرار تلك الموجودة في مدينة لندن، مثل «كاسا سيبرياني» و«ذا وايلد»، الموجودين داخل القصر القديم الذي سكنه سانتو فيرساتشي، علاوة على مطاعم فاخرة تستهدف القيام على خدمة الوافدين الجدد الذين ضخوا أموالهم في سوق العقارات الموجودة فيها.
ومع ذلك، فقد تسببت هذه الطفرة في أن يتجاوز الإسكان القدرة على التحمّل مادياً للأسر العادية في ميلانو.
وقد ارتفعت أسعار العقارات السكنية في ميلانو بنسبة 50% منذ عام 2016، ووصلت إلى 5,500 يورو في المتوسط للمتر المربع، بزيادة قدرها 2.5 مرة مقارنة بالمتوسط الوطني، في وقت انخفضت فيه الأجور الحقيقية.
وأثارت هذه التكاليف المتزايدة، انتقادات من جانب الأحزاب اليمينية والشعبوية، التي اتهمت العمدة، وهو وجه بارز في أوساط نخبة ميلانو، بتفضيل «المضاربين العقاريين» والمستثمرين الأجانب على حساب الأسر العادية.
وفي منشور انتشر بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي، ذكر المؤلف فيرديناندو كوتونيو قائلاً: «لا تتعلق المسألة حقاً بالتحقيق، وإنما بالأفراد الضالعين في نموذج التطوير والمسؤولين عنه الذين منحوا الأولوية لاجتذاب رؤوس الأموال على حساب أي شيء آخر».
وأسهب: «لقد حكم اليسار هذه المدينة طوال 14 عاماً، تحوّلت ميلانو خلالها إلى مدينة يستحيل العيش فيها اعتماداً على الراتب... الأمر مؤسف للغاية».
ومنذ بداية العام الماضي، صادرت السلطات أكثر من 100 موقع للبناء، استثمر فيها العديد من المطورين الإيطاليين والأجانب ما تقارب قيمته 12 مليار يورو مجتمعة، مما عطّل عمليات التشييد.
وبيعت غالبية عمليات التطوير خارج المُخطط، مما ترك 13,500 مُشتر مُحتمل غارقين في حالة من عدم اليقين.
وأضاف: «لا يعلم أحد حقاً، لكني أشك في مواصلة المستثمرين الأجانب ضخ الاستثمارات وسط مزاعم الفساد هذه ومصادرة المباني».
وقد سعى هو نفسه إلى الترويج لتشريع وطني، أطلقت الصحافة المحلية اسم «انقذوا ميلانو»، يهدف إلى تغيير تفسير قواعد بعينها لإعادة الإعمار الحضري، وبيّن أنها تقع في لُب المشكلة، في محاولة من جانبه لفك المصادرة عن بعض البنايات التي صادرتها السلطات.
غير أن التحقيق واسع النطاق تضمّن ادعاءات تتجاوز مجرد تفسير قواعد التخطيط العمراني، من بينها مزاعم بوجود فساد منهجي.
أما ماتيو سالفيني، ابن مدينة ميلانو وزعيم حزب «الرابطة» اليميني ونائب رئيسة الوزراء، فقد لفت إلى أنه «مذهول» من الادعاءات التي احتوتها طلبات الاعتقال، وأنه «قلق» بشدة إزاء إدارة مجلس المدينة.
وتضخمت الدعوات المطالبة باستقالة سالا لكن جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء، دعت إلى ممارسة الحذر. وصرحت: «لا ينبغي أن يؤدي التحقيق بصورة تلقائية إلى تنحي سياسي عن منصبه».
واستطرد أن الأمر كان «رائعاً، لكنه بات سلبياً على ما يبدو».
