تيم برادشو
لا أحد يُجيد ركوب الموجات الرائجة كما يفعل مستثمرو رأس المال المغامر؛ ففي أوساط المستثمرين في الشركات الناشئة الأوروبية، أصبحت مفاهيم مثل «التكنولوجيا المرنة» و«السيادية» تتصدر المشهد، بل وتمنح حتى الذكاء الاصطناعي فرصة جديدة للظفر بحصة من التمويلات، بوصفها الاتجاه الأبرز في الوقت الراهن.
وتتصدر شركة هيلسينغ الألمانية هذه الموجة، بعدما نجحت في جمع تمويل جديد بقيمة 600 مليون يورو، في جولة قادتها شركة الاستثمار التابعة لدانيال إك، المؤسس الشريك لمنصة سبوتيفاي. وفي هذه الجولة، أصبحت الشركات التي تنتج المُسيّرات والغواصات وأنظمة القتال في ساحات الحرب هي المفضلة لدى المستثمرين، لتحل محل شركات السكوتر الكهربائي، وتطبيقات توصيل البقالة، ومشاريع تطوير «الميتافيرس».
ويعبّر العديد من مستثمري رأس المال المغامر في أوروبا، ممن اعتادوا تمويل شركات التكنولوجيا المالية أو برمجيات الموارد البشرية، عن شعور متجدد بالحماسة، مدفوع برسالة أسمى: المساهمة في الدفاع عن حدود القارة.
وقد تجلّى هذا الشعور الجديد بالمسؤولية على مروج نادي «سوهو فارمهاوس» مؤخراً، حيث اجتمعت نخبة قطاع التكنولوجيا الأوروبي في منتدى المؤسسين العالمي، وهو الملتقى التكنولوجي السنوي الذي ينظمه الوجه البارز لقطاع التكنولوجيا، برينت هوبرمان.
وقبل عام بالتحديد من هذه الفعاليات، شعر الأوروبيون بفشل ذريع لإخفاقهم في تأسيس شركات ناشئة بارزة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي تنافس تلك الموجودة في كل من الولايات المتحدة والصين في خضم انخفاض التمويل الذي أعقب الجائحة المُوجه للشركات التي تخطو أولى خطواتها. وقد توصل تقرير التكنولوجيا الأوروبية في العام الماضي الصادر عن شركة «أتوميكو» لرأس المال المغامر، إلى شعور 40% من المؤسسين بأنهم «أقل تفاؤلاً» إزاء مستقبل الصناعة المحلية مقارنة بالعام السابق.
ومع ذلك، فقد كان تحوّل المعنويات هذا العام كبيراً على نحو فاجأ بعض حضور منتدى المؤسسين العالمي. وبدا كثير من الحضور مسرورين ومتحمسين إزاء المُسيّرات، بحسب أحد المخضرمين في قطاع التكنولوجيا الأوروبي.
كما قال مستثمر آخر: «أصبحت التكنولوجيا الدفاعية تثير الحماس نفسه الذي أضفته الأصول المُشفرة».
ومن المؤكد أن ثمة ما يقنع بالاستثمار في هذا المجال، فقد ارتفع الإنفاق العسكري في أوروبا، بما في ذلك روسيا، بنسبة 17% إلى 693 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. ليس ذلك فحسب، بل تتعهد دول أخرى بتوجيه قدر من الحصة المتنامية للموازنات الدفاعية الخاصة بها إلى المبتكرين. كما ارتفع تمويل رأس المال المغامر للتكنولوجيا الدفاعية الأوروبية والأمنية بمقدار 24% في العام الماضي إلى 5.2 مليارات دولار، بحسب صندوق الابتكار التابع لحلف الناتو وشركة «ديلروم» للبحوث.
وتشير التقديرات إلى ارتفاع هذا القدر من الأموال بصورة أكبر هذا العام. ورغم تكالبهم على الجيل الجديد من مُصنّعي الأسلحة وشركات الذكاء الاصطناعي، فإن بعض المستثمرين في قطاع التكنولوجيا بدوا منفصلين عن واقع ما يمولونه، فمعنى عبارة «الملاءمة بين السوق والمنتج» مختلف تمام الاختلاف في ساحة المعركة.
وقد تحوّلت الجموع الحاصلة على ماجستير إدارة الأعمال بسلاسة شديدة من الحديث عن تكلفة اكتساب العميل وتكلفة النقرة إلى مقياس مختلف كلياً للكفاءة، وهو «تكلفة القتل». ولعل الحديث عن هذا الأمر صعب، فهل يمكن لقطاع التكنولوجيا الاحتفاء بتحقيق قفزة عملاقة بتقييم شركة ما تستفيد من التدهور الذي لحق بالأمن العالمي بالطريقة ذاتها التي احتفى بها القطاع بقفزة في تقييم شركة متخصصة في عقد الاجتماعات عبر تقنية «فيديو كونفرانس» إبان الجائحة؟
وتعتقد بعض شركات رأس المال المغامر أنها لا تستثمر إلا في تقنيات «الاستخدام المزدوج»، وربما يكون ذلك لكي تقنع نفسها، أو مستثمريها، بأن هذه المُسيّرات قد تكون مفيدة بطريقة ما بخلاف استخدامها في ساحات المعارك. وعلى أية حال، يتبنى الكثير من المستثمرين قواعد صارمة بشأن دعم ما يطلق عليها التطبيقات الحركية أو الهجومية.
ورغم تدفق رؤوس الأموال إلى مشهد الشركات الناشئة الدفاعية المتنامية في أوروبا، ما زال هناك نقص حينما يتعلق الأمر بالاستثمار في الأسلحة والذخائر، بحسب ميكولاي فيرلي، المؤسس المشارك لصندوق «إكسبيدشنز فند»، وهي شركة رؤوس أموال مغامرة تتخذ من بولندا مقراً لها، وتركز على الأمن الأوروبي.
ويقول فيرلي: «من الواضح أن هناك قفزة كبيرة بدأت من العدم في الاستثمار بالتكنولوجيا الدفاعية، لكننا ما زلنا في المراحل الأولى من إعادة التصنيع. وهناك الكثير بعد مما ينبغي فعله».
وحاولت ندوة على هامش منتدى المؤسسين العالمي إعادة الحضور إلى واقع الحرب، وذلك بحديثها عن كيفية تعرّف القوات الروسية على الأهداف الأوكرانية بتتبعها لمسارات مجموعات كبيرة من القوارض، وهي التي تزايدت أعدادها في الخنادق الموجودة بالخطوط الأمامية.
وقال خالد حليوي، الشريك لدى شركة «بلورال» لرأس المال المغامر وأحد المستثمرين الأوائل في «هيلسينغ»، إن الوقت الحالي ليس مناسباً للحساسية المفرطة. وأضاف: «تتمثل حُجة بعض المستثمرين في أنهم لا يستثمرون في أشياء تقتل البشر»، لافتاً إلى أنه «لم يعد بمقدورنا تحمّل مغبة أن نكون ساذجين. إنها الحرب التي تشتعل على أعتاب منازلنا».
