إليانور أولكوت

أطلقت عملاقتا التجارة الإلكترونية الصينيتان، «جيه دي دوت كوم» و«علي بابا»، شرارة سباق محموم في سوق تجارة التجزئة الفورية سريعة النمو في البلاد، إذ تسعى الشركتان إلى جذب المتسوقين بعروض خصومات ضخمة في محاولة للاستحواذ على حصة سوقية أكبر، وسط تراجع الإنفاق الاستهلاكي.

وخلال الأشهر الأخيرة، طرحت الشركتان خدمات التوصيل الفوري التي تتيح إيصال الأغذية والسلع الاستهلاكية الأساسية خلال 30 دقيقة فقط عبر أساطيل من السائقين، وهو ما أسهم في زيادة حدة المنافسة في قطاع ظلت تهيمن عليه إلى حد كبير شركة «ميتوان»، التي تتخذ من بكين مقراً لها، خلال السنوات القليلة الماضية.

وتستثمر «علي بابا» 7 مليارات دولار أمريكي للترويج لخدمتها «تاوباو شانغو»، في حين تستثمر «جيه دي دوت كوم» 1.4 مليار دولار خلال العام المقبل لتوسيع نشاطها في توصيل المأكولات، في إطار سباق محتدم بين الشركتين لتصبحا التطبيق اليومي الأبرز في الصين لتنفيذ معاملات السلع والخدمات.

وتحفل المدن الصينية بإعلانات تروج للخدمات الجديدة التي تقدمها كل من «علي بابا» و«جيه دي دوت كوم»، مع محاولة الأخيرة إغراء المتسوقين بالقهوة وشاي الفقاعات في مقابل ما يعادل 0.25 دولار.

وقال محللون إن الخطوة تذكرهم بـ «حرب الكوبونات» التي انتشرت في الصين قبل 10 أعوام، حينما أطلقت شركتا التكنولوجيا «بايدو» و«علي بابا» والشركتان الناشئتان «ميتوان» و«ديانبينغ» حملات ترويجية محتدمة في سوق استهلاكية سريعة النمو.

وقال مسؤول تنفيذي بارز في واحدة من أبرز شركات التوصيل الصينية: «لقد عدنا إلى حرب الأسعار التي شهدها عام 2016». وتابع: «ظلت هذه الشركات ماضية في طريقها الخاص طوال أعوام، لكنها تقتحم مجالات بعضها البعض عن طريق استراتيجيات يحفزها الدعم».

وتشير توقعات المحللين لدى «غولدمان ساكس»، إلى أن قيمة سوق التسوق الفوري الناشئة في الصين ستصل إلى 1.5 تريليون يوان صيني، ما يعادل 209 مليارات دولار، بحلول عام 2030، استناداً إلى إجمالي المبيعات المحتملة، بارتفاع من قرابة 600 مليون يوان في عام 2024. وتشير تقديراتهم إلى إنفاق الشركات الثلاث ما مجموعه 3 مليارات دولار على توصيل الأغذية ومبيعات التجزئة الفورية خلال الربع الثاني من العام الجاري.

ومع ذلك، فقد حذر محللون من أن السباق المحتدم بين الشركات على الفوز بعرش التوصيل الفوري في الصين قد يمتد لوقت طويل وأن يكون مكلفاً لهذه الشركات. وخلافاً للموجة الأولى من الحروب المدعومة مالياً، فإن السباق الحالي تدور رحاه في ظل انخفاض معنويات المستهلكين وضعف اقتصادي. وأوضح روبين تشو، محلل الإنترنت لدى «بيرنشتين»: «تعد سوق التوصيل ناضجة نسبياً، لذا، لم يعد يتوفر بها مستوى النمو ذاته المسجل قبل 10 أعوام مضت».

وأطاح سباق التوصيل هذا بما يصل إلى 25% من سعر سهم «علي بابا» منذ المستوى المرتفع الذي سجله السهم في منتصف مارس الماضي، مع قلق المستثمرين من أن احتدام المنافسة سيلقي بظلاله على المدى الطويل على أرباح الشركة. كما انخفض سعر سهم «ميتوان» بمقدار 35%، وانزلقت أسهم «جيه دي دوت كوم» 31% خلال الفترة ذاتها.

وبالنسبة لشركة «ميتوان»، التي سيطرت على ما يزيد على 70% من سوق توصيل الطعام في الصين على مدى العام الماضي، فقد تعهدت بالدفاع عن أعمالها «مهما كلفها الأمر». وزادت الشركة من الخصومات التي قدمتها للمستهلكين، وتستثمر في مطابخ مركزية، حيث يعمل التجار على إعداد الأطعمة في مطابخ تديرها الشركة في محاولة لتحسين سلامة الغذاء المقدم وخفض تكاليف التوصيل.

وكان مما دعم «علي بابا» و«جيه دي دوت كوم»، الحملة الحكومية الأخيرة للدعم المقدم للمستهلكين لتحديث الإلكترونيات الخاصة بهم والتي استثنت منصتا «ميتوان» و«بي دي دي هولدينغز».

وتمكنت حملة «جيه دي دوت كوم» البارزة في سوق توصيل الطعام منذ شهر فبراير الماضي، من الاستحواذ على حصة كبيرة من هذه السوق. وحققت الشركة، بحلول يونيو، طلبات توصيل طعام بلغت في المتوسط، 25 مليون طلب يومياً. وقاد ريتشارد ليو، مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها، هذه الجهود، ما يشكل عودة للوجه البارز بمجال التكنولوجيا إلى واجهة المشهد العام بعدما أدار الشركة من الخارج منذ تنحيه عن منصبه رئيساً تنفيذياً لها بعام 2022.

وتسببت خدمة «علي بابا» الجديدة المسماة «تاوباو شانغو»، والتي أسستها بدمج أعمال توصيل الطعام لديها «إيلي دوت مي» ومنصتي البيع بالتجزئة «تاوباو» و«تي مول»، في ازدياد المنافسة بالسوق. وأكد أحد المسؤولين التنفيذيين لدى «ميتوان»: «لقد جعلت إعادة الهيكلة هذه من علي بابا منافساً أكثر قوة».

وأدت المنافسة على عمال التوصيل، بشركة «ميتوان» إلى تحسين مستحقات الضمان الاجتماعي التي تقدمها لهم، بعدما أفصحت «جيه دي دوت كوم» عن حوافز لهم أثناء إطلاقها للخدمة في فبراير الماضي.

وخلال الشهر الماضي، دعا وانغ تشينغ، مؤسس «ميتوان» ورئيسها التنفيذي، علانية، إلى إنهاء حروب الدعم المالي، مناشداً الجهات التنظيمية التدخل لإيقاف الشركات عن تشويه السوق بقوتها في الإنفاق.

واستطرد: «أعتقد أن مسؤولية الجهات التنظيمية هي أن توقف منافسة الدعم غير المنطقية وغير الصحية، كما أعتقد أن مسؤوليتنا هي الفوز بالمعركة طالما سمحت السلطات باستمرارها».

وجاءت تعليقات تشينغ بعدما عقد مسؤولو مكافحة الاحتكار اجتماعات بالمسؤولين التنفيذيين للعديد من شركات التوصيل في مايو الماضي لحثهم على «المنافسة الصحية». وأفاد أحد المسؤولين التنفيذيين في قطاع التجارة الإلكترونية: «يصب المنظمون جام تركيزهم على معارك التسعير في قطاع المركبات الكهربائية على حساب توصيل السلع الاستهلاكية».

أما تشيلسي تام، كبيرة محللي الأسهم لدى «مورنينغ ستار»، فترى أن الدعم الذي تقدمه «ميتوان» من شأنه أن يساعد الشركة على الحد من خسائرها. وتشير تقديراتها إلى أن حصتها من سوق توصيل الطعام قد تنخفض إلى 60% على مدى العِقد المقبل.

وقال روبين تشو من «بيرنشتين»: «تتمتع الجهات الفاعلة الكبيرة بقوة مالية تمكنهم من الاستمرار في هذا الصراع»، لافتاً: «لكنه سيكون نصراً بطعم الخسارة بغض الطرف عمن سيفوز بهذا الصراع».