ستيفن بوش
بدأت أوساط اليمين تشهد قناعة متزايدة بأن تغير المناخ حقيقة، وأنه ناجم بالفعل عن النشاط البشري، لكن من الواضح أن الدول الأوروبية لا تستطيع أن تؤثر بشكل ملموس فيما إذا كان العالم سيصل إلى صافي الانبعاثات الصفري، بالتالي لن تتمكن من الحد من الاحتباس الحراري.
وفي خطوة تزيد المخاوف المتعلقة بالسفر اختارت كيمي بادنوك، زعيمة حزب المحافظين، استغلال الموجة الحارة، التي تجتاح بريطانيا خلال هذه الفترة، لتتوجه إلى مطار ستانستيد لانتقاد ما وصفته بالتركيز «الأيديولوجي» لحكومة حزب العمال على صافي الانبعاثات الصفري.
ما يلفت الانتباه في هذه الانتقادات أنها تتضمن، من بعض الزوايا، وجهة نظر يمكن تفهمها، فقد يكون من الواقعي القول، إن العالم لن ينجح في بلوغ هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول منتصف القرن الحالي، رغم التقدم الكبير في توليد الطاقة الشمسية والمتجددة، وربما ينبغي للدول الأصغر حجماً أن تتقبل حقيقة أننا نخسر حالياً المعركة ضد التغير المناخي،
إلا أنه الوقت نفسه، من الصحيح، بحسب مكتب مسؤولية الموازنة، أن تكاليف عدم الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري أعلى بكثير من تكاليف الوصول إليه، وإذا كنا نعتقد أننا سنضطر لإنفاق مبالغ كبيرة على أية حال فمن المعقول أن نفكر في إعطاء الأولوية لتدابير إزالة الكربون والتكيف مع عالم أكثر دفئاً في الوقت نفسه، لكن، على سبيل المثال، حقيقة أن الحكومة البريطانية تقدم حالياً منحاً لمضخات التدفئة، بشرط أنه لا يمكنها تبريد الهواء هو أمر مناقض للمنطق.
ويبدو إذن أن ما يتصوره منتقدو هدف الانبعاث الصفري ليس عالماً تتحول فيه الدول من الإنفاق على التحول المناخي للإنفاق بشكل أكبر على التكيف والصمود، وإنما عالم نتفق فيه نحن والكوكب على وضع كل هذه الأمور المزعجة وراء ظهورنا، ونقرر عدم إنفاق الأموال على أي من هذين الأمرين.
ويبدو أن العالم الذي تتصوره كيمي بادينوك هو عالم تتقبل فيه المملكة المتحدة أنها لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بصافي الانبعاث الصفري، وهو أيضاً عالم ستنجح فيه بنية تحتية من العصر الفيكتوري، وكل تلك المباني المصممة لدرجات حرارة معتدلة، من الصمود، رغم تغير المناخ، بقوة الإرادة أو بمعجزة ما.
يمكن أن يكون لديك حجج معقولة حول مزيج صحيح بين سياسات التكيف وتخفيف الأخطار، لكنك إذا اخترت عدم تخفيف الأخطار فإنك ستدور في حلقة مفرغة، بينما تواصل تكاليف التغير المناخي ارتفاعها. في الوقت نفسه بدون تكيف فإنك تقبل بالمزيد والمزيد من فصول الصيف الحارة، مثل الذي نمر به حالياً، وهو الذي سيموت فيه كثيرون في أوروبا مبكراً، بسبب ارتفاع الحرارة.
وحينما يتعلق الأمر بتأثيره على المستقبل فإن تغير المناخ هو الأهم بين الأزمات التي تواجه العالم، إلا أن التفكير الغريب المحيط به يمكنك العثور عليه في كل مكان تقريباً، ولنأخذ مثلاً حقيقة أن معظم الديمقراطيات الغنية تشهد شيخوخة سكانية متسارعة، وتناقص أعداد الأفراد في سن العمل، وهذه الدول التزمت منذ عقود بسياسات عامة (مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية) عندما كانت مجتمعاتها أكثر شباباً، أي عندما كان هناك عدد أكبر من العاملين لتمويل التزامات الدولة. واليوم، مع تناقص عدد دافعي الضرائب وازدياد أعداد المتقاعدين، أصبحت هذه الالتزامات عبئاً ثقيلاً، وليس هناك مخرج سياسي منها، وبينما يمكن للديمقراطيات أن تعثر على طرق لإدارة ما تدفعه وكيفية دفعه فإن من يظن أن «تخفيض المعاشات» خيار واقعي يمكنه من البقاء في السلطة فهو لا يخدع إلا نفسه.
ومثل التغير المناخي تتطلب شيخوخة السكان أن تقوم الدول بالأمور على نحو مختلف، فهي تضع قيوداً على ما يمكن للساسة اليوم القيام به، وتفرض عليهم التزامات يجب عليهم تنفيذها، وهذا الشعور بالضيق تحت وطأة الالتزامات غير المرغوب فيها هو الذي يجعل السياسيين حريصين جداً على إيجاد طريقة للتخلص من التفكير في تغير المناخ.
السبب الذي يجعل من المغري تخيل أننا نستطيع ببساطة إعلان أن هدف صافي الانبعاثات الصفرية غير قابل للتحقيق والمضي قدماً، هو أنه يعني بالنسبة لعديد من السياسيين القدرة على التركيز على الأمور التي تثيرهم، سواء كانت سياسة اجتماعية أو اقتصادية أو تنظيمية. بالمثل فإن تجاهل شيخوخة السكان يسمح لك بتأجيل المحادثات الصعبة مع ناخبيك أو حزبك حول كيفية توفير الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية لهم جميعاً.
المشكلة هي أنه لا التغير المناخي ولا شيخوخة السكان سينتظران السياسيين، الذين يفضلون التفكير في شيء آخر، ولن يتقدما بالسرعة، التي تلبي رغبات ناخبيهم في تجنب الضرائب الأعلى و/أو الهجرة الأعلى، والواقعية الحقيقية في السياسة هي الاعتراف بأنه يجب عليك التعامل مع الظروف التي تواجهها بالفعل، وليس التي ترغب فيها، أما «الاختيار السياسي» فهو الاعتقاد أنه يمكن تأجيل الضغوط على كوكبنا وماليتنا العامة لصالح مواضيع أسهل وتحديات أصغر.
