كريس كاي، جون ريد

يمثل انخفاض قيمة الروبية الهندية تحدياً كبيراً للتوقعات الاقتصادية في الهند، حيث كان يتوقع أن يتخذ المحافظ الجديد للبنك المركزي الهندي إجراءات سريعة لدعم الاقتصاد المتعثر من خلال خفض أسعار الفائدة.

وقد شهدت العملة الهندية انخفاضات متتالية، كان أبرزها انخفاض حاد بنسبة 0.7 % مقابل الدولار يوم الاثنين، وهو أكبر انخفاض تشهده منذ عامين.

وقد أدى هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة، وما يمثله من أخطار ارتفاع التضخم، إلى تلاشي التوقعات التي كانت شبه مؤكدة لدى المحللين الاقتصاديين بأن محافظ بنك الاحتياطي الهندي سانجاي مالهوترا وفريقه سيقومون بخفض سعر الفائدة الرئيسي من مستواه الحالي البالغ 6.5 %، والذي استقر عند هذا المستوى منذ نحو عامين.

ويمثل انهيار الروبية مؤشراً ضمن مؤشرات عدة تكشف تراجع بريق الاقتصاد الهندي، رغم أنه لا يزال يحتفظ بلقب أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم.

فقد شهد الاقتصاد الهندي تراجعاً حاداً في معدل النمو السنوي ليصل إلى 5.4 % خلال الربع المنتهي في سبتمبر، مسجلاً أدنى مستوياته منذ عامين تقريباً، متأثراً بثلاثة عوامل رئيسية: تباطؤ الإنفاق الحكومي، وضعف الاستهلاك، وتراجع أرباح الشركات.

وقال مادان سابنافيس، كبير الاقتصاديين في بنك بارودا: إن انهيار الروبية يضع المحافظ الجديد للبنك المركزي في موقف حرج، خصوصاً أنه أدى إلى تعقيد المشهد قبل أول اجتماع له للسياسة النقدية، المقرر عقده بعد أيام قليلة من إعلان الحكومة المركزية موازنتها السنوية في الأول من فبراير.

ولفت سابنافيس إلى أن الانهيار الحر للعملة سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار الواردات وبالتالي التضخم، ما يجعل قرار السياسة النقدية أكثر تعقيداً.

تواجه الهند تحدياً مزدوجاً يتمثل في اعتمادها الكبير على واردات النفط، حيث تستورد نحو 90 % من احتياجاتها، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، خصوصاً بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على منتجي النفط الروس.

وقد تفاقم الوضع مع ظهور بيانات اقتصادية أمريكية قوية أدت إلى إعادة النظر في توقعات خفض الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، ما عزز قوة الدولار.

وتكمن المشكلة الأكبر في استمرار عناد التضخم، الذي أدى لتآكل القدرة الشرائية لمئات ملايين الأسر الهندية الفقيرة ومتوسطة الدخل. وقد تجاوز معدل التضخم، السقف المستهدف للبنك المركزي عند 6 % في أكتوبر، رغم تراجعه لاحقاً إلى 5.2 % في ديسمبر.

وقال مالهوترا، الذي تولى منصبه الشهر الماضي، إنه يتوقع تعافي الاقتصاد الهندي في 2025. وأشار إلى أن البنك الاحتياطي الهندي سيعطي الأولوية لتحفيز النمو الاقتصادي، خصوصاً بعد الانتقادات التي وجهتها الحكومة لسلفه شاكتيكانتا داس بسبب سياسته في الحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة.

ووصفت ترين نجوين، المختصة في اقتصادات آسيا الناشئة في بنك ناتيكسيس، الوضع بأنه صعب على المحافظ الجديد، مشيرة إلى أن الهند لا تقف وحيدة في مواجهة هذه التحديات، حيث تعاني معظم الدول النامية من تداعيات قوة الدولار.

مشيرة إلى أن تحفيز النمو سيظل الأولوية رغم المخاوف من التراجع السريع للروبية. وقد اضطر البنك المركزي للتدخل بشكل متكرر لحماية العملة المحلية، ما أدى إلى استنزاف احتياطياته من النقد الأجنبي بنحو 70 مليار دولار منذ أن بلغت مستوى قياسياً عند 705 مليارات دولار في سبتمبر.

ويثير تراجع تدخل البنك المركزي الهندي لدعم الروبية تكهنات بين المحللين حول احتمال تبني المحافظ الجديد مالهوترا لنهج مختلف يسمح بتحديد قيمة العملة وفقاً لقوى السوق، ما قد يعزز القدرة التنافسية للصادرات الهندية.

وفي حين لم يصدر أي تعليق رسمي من البنك المركزي، يبدي بعض الخبراء نظرة أكثر إيجابية لتراجع العملة، مستندين إلى عاملين رئيسيين: الاتجاه العام لتراجع التضخم، والاحتياطيات الكبيرة التي لا يزال البنك يحتفظ بها.

وقلل ميغيل تشانكو، كبير اقتصاديي آسيا الناشئة في مؤسسة بانثيون ماكروإيكونوميكس للأبحاث، من حجم المخاوف، مشيراً إلى أن تراجع الروبية بنحو 4 % مقابل الدولار خلال العام الماضي يظل ضمن الحدود المقبولة.

منوهاً إلى أن هذا التراجع كان متوقعاً نظراً لأن قيمة العملة كانت مرتفعة نسبياً خلال الـ18 شهراً الماضية وفقاً لمؤشر سعر الصرف الفعلي الحقيقي.

ورغم خفض البنك المركزي والحكومة الهندية توقعات النمو للعام المقبل إلى أدنى مستوياتها منذ جائحة كوفيد، إلا أن البنك المركزي يرى مؤشرات إيجابية تدل على أن الاقتصاد قد بلغ القاع وبدأ في التعافي.

لكن تشانكو يرى أن هذا التفاؤل قد يكون في غير محله، مستنداً إلى ثلاثة عوامل رئيسية: استمرار تشدد السياسات المالية والنقدية، وثقل الديون على كاهل الأسر، وعدم وصول معدلات استغلال الطاقة الصناعية إلى المستويات التي تحفز دورة استثمارية جديدة. وأضاف: «من المحتمل أن نشهد على الأقل تراجعاً كبيراً آخر في نمو الناتج المحلي الإجمالي».

في المقابل، يرى خبراء آخرون بارقة أمل في استئناف الإنفاق الرأسمالي الحكومي، الذي كان متوقفاً خلال فترة الانتخابات العامة العام الماضي، ما قد يدفع عجلة الاقتصاد في الأشهر المقبلة.

وأكدت بونام غوبتا، المديرة العامة للمجلس الوطني للبحوث الاقتصادية في نيودلهي، أن الاقتصاد الهندي يتمتع بمرونة هيكلية، وأن التباطؤ الحالي مجرد دورة يمكن تجاوزها بسهولة من خلال سياسات مدروسة في التوقيت المناسب.