جريجوري ماير

انخفضت معدلات الشواغر في المراكز التجارية المفتوحة في الولايات المتحدة إلى مستويات تاريخية، ما يخالف التوقعات السابقة بتراجع قطاع مراكز البيع بالتجزئة نتيجة لازدهار التجارة الإلكترونية. وأصبح حالياً بمقدور ملاك هذه المراكز، التي تضم متاجر سلاسل كبرى ومحلات الخصومات والسوبر ماركت، زيادة الإيجارات عند انتهاء عقود التأجير؛ في ظل تباطؤ طرح أراضي جديدة للبناء بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف البناء. ووفقاً لشركة «كوستار» المتخصصة في بيانات العقارات، فإن 6.2% فقط من مساحات المراكز التجارية المفتوحة متاحة حالياً للإيجار، وهو أدنى مستوى منذ بدأت الشركة بتتبع البيانات عام 2006. وتتناقض هذه الاتجاهات مع مراكز التسوق المغلقة، التي تشهد ارتفاعاً في معدلات الشواغر أيضاً.

وقال براندون إزنر، رئيس أبحاث البيع بالتجزئة في شركة «نيو مارك» للوساطة العقارية التجارية، إن نقص الأماكن الشاغرة في السوق يدحض المفاهيم السائدة عن العقارات التجارية.

وتابع: «كانوا يقولون: إن هناك فائضاً في العقارات التجارية، والبيع بالتجزئة يعاني، وإن التجارة الإلكترونية ستتفوق على تجارة التجزئة التقليدية. لكن في الحقيقة، لم يتحقق أياً من ذلك».

وتخطط شركات البيع بالتجزئة لتوسيع وجودها خلال السنوات المقبلة، بقيادة متاجر التخفيضات التي تستهوي المستهلكين الباحثين عن عروض جاذبة وسط ضغوط التضخم.

وقد أضافت شركات الملابس والديكور منخفضة الأسعار مثل «بيرلنجتون ستورز» و«روس ستورز» و«تي جي إكس» – الشركة الأم لسلسلة متاجر «مارشالز» و«تي جي ماكس» – معاً 339 فرعاً جديداً في الولايات المتحدة خلال العام الماضي.

كما تعتزم شركة «وول مارت» إضافة 150 فرعاً جديداً في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة.

وقال مايكل هارتشورن، رئيس مجموعة متاجر «روس ستورز» للمحللين في نوفمبر: «يمكن القول إن سوق العقارات ضيق للغاية، لا يتم بناء العديد من مراكز التسوق الجديدة، وهناك اهتمام متزايد من تجار التجزئة الآخرين بنوع العقارات التي تفضلها مجموعة روس عادة».

ورغم النمو السريع للتجارة الإلكترونية، التي تتيح للمستهلكين التسوق من منازلهم، لا يزال الطلب على المتاجر قائماً.

وارتفعت مبيعات التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة خلال الربع الثالث بنسبة 7.5% على أساس سنوي لتصل إلى 289 مليار دولار، لتتجاوز نمو مبيعات التجزئة الإجمالية التي سجلت زيادة بنسبة 2% فقط، وفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي.

ولا تزال مبيعات التجارة الإلكترونية تمثل أقل من سدس إجمالي المبيعات في الولايات المتحدة.

كما اكتشف تجار التجزئة التقليديون أيضاً أن المتاجر توفر نقاطاً ملائمة لتجهيز الطلبات الإلكترونية ومعالجة المرتجعات.

وفي هذا السياق، أضافت عملاق التجارة الإلكترونية «أمازون» هذا العام 21 متجراً فعلياً من سلسلة «أمازون فريش» لتلبية احتياجات التسوق الشخصي وعبر الإنترنت.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، في وقت سابق من العام: «إذا كنت تريد تلبية أكبر عدد ممكن من احتياجات البقالة كما نفعل، فلا بد أن يكون لديك تواجد مادي واسع».

ويختلف الطلب القوي على مراكز التسوق المفتوحة، التي تتألف عادة من واجهات متاجر تطل على مواقف السيارات، عن التراجع الذي تشهده مراكز التسوق المغلقة. على سبيل المثال، تخطط سلسلة المتاجر الشهيرة «مايسيز» لإغلاق 150 فرعاً لها.

وقال آدم إفشين، الرئيس التنفيذي لشركة «دي إل سي» التي تمتلك عشرات مراكز التسوق: «النهضة التي يشهدها قطاعنا مدفوعة بالأساسيات والقيمة، وليست نتيجة علامات مثل لويس فيتون وشانيل». وكانت التوقعات المتشائمة تطارد مراكز التسوق في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، خصوصاً مع انهيار شركات تجزئة كبرى مثل «سيرز».

وتحدث المحللون حينها عن نهاية البيع بالتجزئة، وزادت عمليات الإغلاق التي تلت جائحة كوفيد 19 من القلق بشأن مستقبل التسوق الشخصي. في الوقت نفسه، شهدت مراكز التسوق الجديدة تباطؤاً في الإنشاء. وذكرت شركة «غرين ستريت» المتخصصة في أبحاث العقارات أن المطورين أضافوا سنوياً ما يعادل 0.6% فقط من مساحة مراكز التسوق المفتوحة بين عامي 2009 و2023، مقارنة بـ2.5% سنوياً من المساحات الجديدة التي أضيفت بين عامي 2001 والأزمة المالية لعام 2008.

وقال جيف إيدسون، الرئيس التنفيذي لشركة «فيليبس إيدسونوهي شركة تمتلك مراكز تسوق مدرجة في بورصة نيويورك: «لم يكن هناك أي إنشاءات جديدة تقريباً خلال السنوات العشر الماضية. وهذا هو المحرك الرئيسي للتغيرات الاقتصادية وزيادة القوة التسعيرية للملاك في جميع أنحاء البلاد».

بدلاً من بناء مساحات جديدة، لجأ تجار التجزئة الراغبين في التوسع إلى المباني التي تركها منافسون مفلسون مثل سلسلة «بيد باث آند بيوند» التي كانت تدير 480 موقعاً عندما تقدمت بطلب الإفلاس في عام 2023.

وبلغ متوسط الإيجارات في مراكز التسوق المفتوحة هذا العام نحو 18 دولاراً للقدم المربع، متجاوزاً مستويات ما قبل الأزمة المالية، وفقاً لبيانات شركة «كوستار». ورغم أن الإيجارات كانت أقل مقارنة بمراكز التسوق المغلقة، إلا أن المراكز المفتوحة أصبحت الآن تطلب إيجارات أعلى بمتوسط 3.52 دولارات إضافية للقدم المربع.

وأشارت شركة «جي إل إل» للوساطة العقارية التجارية إلى أنه يتم توقيع العقود الجديدة بزيادة تصل إلى 32% عن عقود الإيجار التي استمرت عشر سنوات وانتهت أخيراً. وقدرت «جرين ستريت» أن الإيجارات في أكبر 50 سوقاً تحتاج إلى الارتفاع بنحو 65% في المتوسط لجعل مشاريع البناء الجديدة مربحة. وقالت الشركة: «في ظل الإيجارات الحالية في السوق، لا تبدو مشاريع التطوير مجدية في أي سوق».