تينا هو، جو ليهي
لم تكتشف كيم حتى بلغت المرحلة الإعدادية في بكين أن جزءاً من البيروقراطية الصينية سيشكل حياتها، كما هو الحال بالنسبة للعديد من سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. ولأن عائلتها لم تكن في الأصل من بكين، فقد كانت مجبرة، بموجب قانون يعرف بنظام «هوكو»، على إكمال دراستها وخوض امتحان القبول الجامعي الشاق في قريتها الأصلية البعيدة.
رفضت كيم، وهي ابنة رجل وسيدة أعمال ناجحين، الذهاب، بحجة أنها لم تعش قط في القرية. وكلفها هذا فقدان فرصة الالتحاق بالجامعة، ما أدى إلى تدمير آفاقها المهنية. وقالت كيم، التي تبلغ الآن من العمر 30 عاماً وتعمل في شركة ابن عمها الصغيرة: تسبب نظام «هوكو» في مشاكل كثيرة لي وقد أثر علي طوال حياتي.
ونظام «هوكو» هو نظام لتسجيل الأسر في الصين يعود إلى عهد ماو تسي تونغ، ويقسم المواطنين إلى فئتين، سكان الحضر وسكان الريف، حيث يتمتع سكان الحضر بمزايا عديدة مثل الحصول على تعليم أفضل ورعاية صحية وفرص عمل.
ولطالما اعتبر «هوكو» في الصين نظاماً متأخراً للغاية. لكن النمو الضعيف الأخير يضع تدقيقاً متزايداً على تكلفة هذا النظام بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأصدرت حكومة شي جين بينغ، التي تحاول إنعاش الاستهلاك ومواجهة ركود سوق العقارات، في يوليو الماضي خطة خمسية تدعو إلى تخفيف قواعد «هوكو» في المدن متوسطة الحجم لإطلاق العنان الكامل لإمكانات الطلب المحلي الهائلة من التوسع الحضري، الذي تباطأ منذ الجائحة.
لكن بكين عبثت بالنظام مرات عديدة من قبل، والذي قدمه ماو تسي تونغ في عام 1958 للسيطرة على تحركات السكان إلى المدن من المناطق الريفية. ويعتقد العديد من الباحثين أن الحكومة يجب أن تذهب إلى أبعد من ذلك وتلغي النظام تماماً.
وقال نيل توماس، زميل في مركز تحليل الصين التابع لمعهد سياسة آسيا: إلغاء نظام «هوكو» هو بالضبط ما قد يوفر قوة الدفع للنمو التي يحتاجها شي لإحياء الثقة في الاقتصاد الصيني.
ونظراً لأن «هوكو» يحكم الوصول إلى خدمات الحكومة المحلية في المدينة أو القرية التي تعيش فيها، فإن الحصول على الـ«هوكو» في واحدة من البلديات الغنية في الصين، خاصة بكين وشنغهاي، يمنح حامله أفضل تعليم ورعاية صحية، ووصولاً أسهل إلى وظائف حكومية مستقرة وامتيازات أخرى.
وقال محللون إن التخلي عن الـ«هوكو» سيشجع المزيد من عمال الريف على الانتقال إلى وظائف أكثر إنتاجية في المدن. وبينما رفعت الهجرة إلى المدن الصينية في العقود الأخيرة المعدل الرئيسي للتوسع الحضري في البلاد إلى 66 % اعتباراً من العام الماضي من 43 % عام 2005، يفتقر ربع سكان المدن على الأقل إلى الـ«هوكو» في منطقة حضرية. ويتكدس العديد من العمال المهاجرين في أحياء على هوامش المدن الكبرى، مثل يوشينجوانغ في شمال بكين.
وقال توماس: إن إلغاء النظام سيمنح العمال المهاجرين وصولاً أفضل إلى الصحة العامة والتعليم، ما يترك لديهم المزيد من الأموال المتاحة للاستهلاك، ما يعني أنك تعالج بعض الاختلالات الاقتصادية الأوسع التي تواجهها الصين. لكن إلغاء «هوكو» بالكامل سيكون أسهل قولاً من الفعل، حسبما كتبت آيفي-سو نغ، رئيسة قسم الاستثمار في آسيا والمحيط الهادئ في DWS، في مذكرة هذا الشهر.
وسيقاوم سكان البلديات الغنية فقدان امتيازاتهم، بينما لن تستطيع حكومات المدن تحمل تكلفة الاستثمار في بنية تحتية وخدمات إضافية لأعداد مهولة. وحالياً، يفتقر العديد من العمال المهاجرين من المناطق الأقل ثراء، البالغ عددهم 298 مليوناً، ويعيشون بالفعل في المناطق الحضرية، إلى الوصول إلى أفضل رعاية صحية وتعليم وخدمات عامة.
ويسيطر على نظام الـ«هوكو» وزارة الأمن العام، غير المعنية بالإصلاح الاقتصادي، ولا تهتم به في الأساس. وقال لياو يانغ، أستاذ ومؤلف صيني بارز، إنه في حين أن بعض المدن الصغيرة تخلت عن الـ«هوكو» تماماً كجزء من إصلاحات تدريجية، أصبح الحصول على الـ«هوكو» في واحدة من البلديات الكبيرة في الصين، خاصة بكين وشنغهاي، أكثر صعوبة.
ويحتاج الغرباء الذين يسعون للحصول على هوكو في بكين إلى استيفاء نظام نقاط يأخذ في الاعتبار شهاداتهم الجامعية ومهاراتهم المهنية وقدرتهم على دفع الضرائب، وهي معايير أصعب مما تفرضه دول أخرى على المهاجرين الأجانب، لكن يمكن أيضاً الحصول على الـ«هوكو» في بكين من خلال قواعد الزواج أو عن طريق الولادة. ونظام شنغهاي بالقدر نفسه من الصرامة تقريباً.
وأفادت وانغ، وهي من سكان بكين من عائلة لها جذور عميقة في العاصمة بأنها بصفتها من حاملي «هوكو» في حي شيتشنغ المركزي النخبوي في المدينة، حصل والداها على وظائف حكومية جيدة وذهبت إلى أفضل المدارس.
وقالت: لن أحتاج إلى القلق بشأن تعليم أطفالي أيضاً. يمنحك الحصول على هوكو هنا وصولاً مباشراً إلى هذه الإمكانيات، في حين يتعين على الأشخاص الذين ليس لديهم هوكو في بكين دفع الكثير، مالياً وغير ذلك، للوصول إليها.
وتقدم أرقى الجامعات في البلاد، التي تتركز في بكين وشنغهاي، بشكل عام حصص قبول أعلى للطلاب الذين يخوضون الامتحان في تلك المدن، بنسبة قد تصل إلى 20 ضعفاً. وتجعل هذه الامتيازات «هوكو» بكين ذا قيمة كبيرة لدرجة أن بعض أصحاب العمل يقدمونه كجزء من حزم رواتبهم.
وقالت تشيتشي، وهي من سكان خنان الأصليين وتعمل في شركة تقنية في بكين ساعدتها في الحصول على هوكو في المدينة: في شركتنا، يعتبر هوكو والرواتب من المواضيع المحرمة. لا يسمح بمناقشتها لأنها قد تسبب استياء. وعندما نشرت تشيتشي على وسائل التواصل الاجتماعي حصولها على «هوكو» في بكين، بدأ رجال في طلب يدها وقالت: كان ذلك بسبب الهوكو الخاص بي بوضوح.
وحتى عندما تخفف المدن الصغيرة متطلبات هوكو للعمال المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، فإنهم غالباً ما يرفضون العرض لأنهم سيضطرون إلى التخلي عن «هوكو» الريفي، ما يعني التخلي عن ملكية الأراضي العائلية في قراهم. وقالت ماوماو، التي بدلت في النهاية هوكو أورومتشي بهوكو منطقة نانجينغ، شرق الصين: ليس من الصعب الحصول على هوكو في المدن الأقل ثراء.
«هوكو» هو في الأساس نقطة انطلاق، فهو يمنح الوصول إلى موارد مثل الإسكان والتعليم للأطفال، لكن بخلاف ذلك، لا يعني الكثير. وينظر كثير من الخبراء إلى نظام «هوكو» على أنه عائق أمام النمو الاقتصادي للبلاد، حيث يمنع العمال الريفيين من الانتقال إلى المدن والاستفادة من فرص العمل المتاحة. وتحاول الحكومة الصينية تخفيف بعض القيود المفروضة على نظام هوكو، لكن إلغاءه بالكامل يواجه تحديات سياسية واجتماعية.
