مجلس تحرير «فاينانشال تايمز»

اتسم تاريخ الحوسبة الكمية بسلسلة من التطورات في مجالات علوم المواد والحاسوب. وقد شغل بال العلماء على مدى 40 عاماً مسألة تطبيق مبادئ ميكانيكا الكم لبناء حواسيب قادرة على تحقيق قفزات هائلة في الأداء مقارنة بأجهزة الكمبيوتر المستخدمة اليوم. وعلى الرغم من كل ذلك، ظلت الحواسيب الكمية العملية حلماً بعيد المنال. لكن الأنباء الواردة منذ أيام عن تحقيق اختراق علمي تبشر بقرب تحقيقه، وهو ما قد يمهد الطريق أمام الوصول إلى أولى الحواسيب الكمية العملية مع نهاية العقد الحالي.

وأعلنت «غوغل» أنها تمكنت من التغلب على عدم الاستقرار المتأصل في النظام الكمي للمرة الأولى على الإطلاق، حيث نجحت في معالجة التشويش أو «الضوضاء» التي عادة ما تصيب الحواسيب الكمية عند إجراء عمليات حسابية معقدة. ومثل أول تفاعل نووي متسلسل متحكم به نفذ في جامعة شيكاغو عام 1942، يعد هذا الإنجاز أول برهان قاطع على شيءٍ لطالما كان متوقعاً نظرياً، ويمثل نقطة تحول في هذا المجال.

ومع ذلك، فبينما يلوح عصر الحوسبة الكمية في الأفق، يظل من الصعب التنبؤ بدقة بموعد ظهور تأثيره أو مدى انتشاره. وكانت «غوغل» أكدت قبل خمس سنوات تحقيقها «التفوق في الحوسبة الكمية»، وهي المرحلة التي يمكن عندها للحاسوب الكمي حل مشكلات تستعصي على الحواسيب التقليدية. لكن أظهرت أساليب البرمجة الحديثة أن الحواسيب العملاقة الحالية ما زالت قادرة على المنافسة لفترة أطول مما كان متوقعاً. وعلى الرغم من بزوغ فجر عصر الحوسبة الكمية، إلا أن معظم عمليات الحوسبة ستنفذ على الحواسيب التقليدية، ولن تكلف أنظمة الحوسبة الكمومية إلا بالمهام الأكثر تعقيداً وتخصصاً.

وليس من الواضح بعد مدى تشعب المشكلات التي يمكن لهذا الشكل الجديد من الحوسبة معالجته. ومن المتوقع أن تكون الحواسيب الكمية، التي تعتمد على سلوكيات غريبة لجسيمات متناهية الصغر، مفيدة على وجه الخصوص في محاكاة العمليات دون الذرية الطبيعية، مما سيمهد الطريق أمام تقدمات في مجالات مثل علوم المادة والتوصل إلى أدوية جديدة.

ومن المرجح أيضاً أن تساعد الحواسيب الكمية الجديدة عن الفك السريع لأساليب التشفير واسعة الاستخدام في عصرنا اليوم، مما يزيد من الحاجة الملحة إلى جهود عالمية نحو التوصل إلى أشكال جديدة من التشفير.

وبالنسبة لأشياء كثيرة أخرى، فسيكون من الصعب توقع مدى تأثير طفرة الأداء التي ستسفر عنها الخوارزميات الكمومية المطورة حتى الآن. أما درجة «التسريع الكمي» التي سنشهدها في أمور مثل حل المشكلات المعقدة في عملية التحسين أو تسريع وتيرة تعلم الآلات، خصوصاً في الأعوام الأولى، فما زالت محل نقاش.

ومن شأن التقدم المحرز على صعيد الذكاء الاصطناعي التقليل من تأثير الحواسيب الكمية. وذهب ديميس هاسابيس، الحائز على جائزة نوبل ورئيس «غوغل ديب مايند»، إلى أنه من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي عما قريب على حواسيب تقليدية لنمذجة أنظمة معقدة في جوهرها، مما سيقلل من الحاجة إلى استخدام الحواسيب الكمية، وهي وجهة نظر محل جدل من جانب الكثير من خبراء الحوسبة الكمية.

ومع ذلك، يشكل التقدم الذي كشفت «غوغل» عنه اللثام منذ أيام لحظة مهمة في الرحلة الطويلة التي تستهدف الوصول إلى شكل ثوري جديد من الحوسبة. وحتى إن كانت أولى ثمار عصر الحوسبة قاصرة على مجالات ضيقة نسبياً، ألا أنها قد تكون ذات تأثير عالمي ملموس.

وتأمل «غوغل»، أن يكون بمقدورها بحلول عام 2030، بناء حاسوب كمي متكامل بقيمة مليار دولار أمريكي. وقال مسؤولو الشركة التنفيذيون إنه حتى 10 أضعاف هذا المبلغ سيكون سعراً زهيداً في مقابل حاسوب قد يسهم في إيجاد علاج لمرض السرطان.

لقد ألهمت مثل هذه الآمال العالية الباحثين طيلة عقود وشجعت بعضاً من شركات التكنولوجيا العالمية الأكثر ثراءً على خوض غمار رهانات كبيرة ومكلفة على الحوسبة الكمية. وقد لا يطول الوقت حتى تختبر توقعاتهم الطموحة على أرض الواقع.