روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر

لم يتبق لجيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلا 11 شهراً في مدته، وتتسع دائرة التكهنات حول من سيخلفه في منصبه، وكذلك دائرة التنافس على نيل حظوة الرئيس الأمريكي.

وصرحت ميشيل بومان، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، مؤخراً، بوجوب خفض أسعار الفائدة في موعد قريب هو يوليو، وقبلها بأسابيع قليلة ذكر كريس والر، وهو عضو آخر في مجلس محافظي المجلس، أن الفيدرالي بإمكانه تجاهل التضخم الناجم عن التعريفات الجمركية.

ومثل هذه التعليقات تلقى استحساناً بالتأكيد من جانب البيت الأبيض، كما أن كيفين هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، وكيفين وارش، العضو السابق في مجلس المحافظين، ينتظر كل منهما الفرصة، لكن هل يهم من سيخلف باول في منصبه؟

الإجابة الواضحة هي: الأمر مهم كثيراً بكل تأكيد، فرئيس الفيدرالي هو واجهة المؤسسة، وقدرة الرئيس على التواصل هي حجر الزاوية لمصداقية السياسة النقدية، واستقلال المصرف المركزي.

في الوقت نفسه فإن رئيس الفيدرالي هو واحد من بين 12 صوتاً داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، والتي يميل أعضاؤها إلى أن يكون هناك قدر كبير من التوافق بينهم خلال عمليات التصويت، والاختلافات داخلها نادرة، وتوقعاتها المنشورة تنحصر في نطاق ضيق للغاية.

ومن المفترض أنه إذا رشح الرئيس الأمريكي شخصاً لا يتصف بالكفاءة، فإما أن يرفض مجلس الشيوخ الترشيح، وإما أن يسفر تمرد الأسواق عن إنهاء فترة ولايته قبل أن تبدأ، لكن ماذا إن كان شخصاً يغرد خارج السرب وليس شخصاً غير كفؤ؟

خلال الأسبوع الماضي دعا أحد أعضاء اللجنة إلى معدل فائدة على الأموال الفيدرالية 2.5% خلال العام المقبل، بينما بلغ متوسط تقديرات أعضاء اللجنة 3.6%. الآن تخيل أن هذا الشخص الذي يدعو إلى 2.6% هو رئيس المجلس فهل سيسبب ذلك مشكلة؟

تحدثنا مع أشخاص عدة كانوا أعضاء في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أو عملوا بالقرب منها، وكانت إجابتهم: سيكون لذلك بالغ الأثر. اجتماعات اللجنة هي مناقشات، يحاول الأعضاء فيها إقناع بعضهم بعضاً بوجهات نظرهم.

وجذب الآخرين إلى جانبهم. ويميل أعضاء اللجنة إلى إظهار الاحترام إلى رئيس اللجنة. وأوضح بيل دادلي، الرئيس السابق لفيدرالي نيويورك والعضو السابق في اللجنة:

«حينما كنت أعمل في جولدمان ساكس كنا نمزح قائلين إننا نولي أهمية بنسبة 90% لرأي رئيس الفيدرالي، وبنسبة 5% لبقية أعضاء اللجنة، و5% للموظفين».

وهذا صحيح بشكل خاص عندما يعمل الاحتياطي الفيدرالي في ظل حالة عدم يقين متزايدة، وهو ما وصفته كلاوديا سام من «نيو سنتشري أدفايزورز»، التي كانت موظفة سابقة لدى الفيدرالي، بأنه «المنطقة الرمادية».

وبإمكانك رؤية مسألة مراعاة رئيس الفيدرالي في حالات عدة حينما كانت اللجنة تمر بالمنطقة الرمادية، وأجدني أتذكر حينما رفع الفيدرالي أسعار الفائدة في عام 2015 من مستويات قريبة من الصفر.

كان من الواضح في محضر الاجتماع أن دان تارولو لم يكن متفقاً مع توجه رئيسة الفيدرالي حينذاك، جانيت يلين، نحو رفع الفائدة، لكنه لم يكن ليقف في الطريق، ففي المنطقة الرمادية يمكن لرئيس الفيدرالي تغليب رأيه بطريقة لا يمكن لبقية أعضاء اللجنة القيام بها. وحالياً نحن في وسط المنطقة الرمادية الآن.

كذلك يقوم رئيس الفيدرالي بتحديد جدول أعمال كل اجتماع، بالاشتراك مع نائبه، ورئيس فيدرالي نيويورك، وهو الثلاثي المعروف باسم «الترويكا»، ودائماً ما يكون هناك نقاش حول الاقتصاد والسياسة النقدية، لكن يمكن أن تطرح «الترويكا» موضوعات أخرى على الطاولة، مثل الاستقرار المالي، والتيسير الكمي، ومراجعة إطار السياسة النقدية، وما إلى ذلك.

ويتمتع رأي الرئيس بالثقل الأكبر في خضم هذه المناقشات، وأخبرنا دادلي: «كان عملي كوني عضواً في الترويكا متمثلاً في الدفاع المستميت عن وجهة نظري، لكن في النهاية، أن أدعم الرئيس، ولم أكن لأجعل اختلافي معه يظهر للعلن».

ومع ذلك فإن مراعاة رأي الرئيس عرف داخل اللجنة، وليست قانوناً، وفي حين سادت الفيدرالي ثقافة توافق وجهات النظر، إلا أن الأمر ليس واجباً، فقد يكون هناك انقسام كبير بين أعضاء اللجنة.

وقد يختارون تسجيل هذا الاختلاف في محضر الاجتماع. كما قد يكون الرئيس في معسكر المعارضين، وإذا حدث ذلك فسيكون من الصعب الجزم بما سيحدث، سواء في الفيدرالي أو في الأسواق، ونأمل ألا نكتشف ذلك أبداً.

في سياق آخر، أعلن مصرف «جيه بي مورجان» منذ أيام عزمه إصدار «رمز إيداع رقمي» (توكن) جديد يعرف باسم «جيه بي إم دي»، وذلك كبديل للعملات المستقرة، وسيتيح ذلك للمؤسسات عملاء «جيه بي مورجان» حصراً إرسال الأموال وتلقيها بأمان عبر سلسلة الكتل، بما يعزز نظام المدفوعات الرقمي، ويشجع على تبنيه على نطاق أوسع.

وبحسب ما قاله نافين ماليلا، الرئيس المشارك لأعمال سلسلة الكتل في «جيه بي مورجان»، يمكن «للعملاء المؤسساتيين التعامل مع جيه بي إم دي كودائع بنكية في ميزانياتهم العمومية، ما يوفر يقيناً في المعاملة المالية والمحاسبية». وأضاف: «نحن نعتقد أن جيه بي إم دي ستكون مؤهلة للتأمين على الودائع في المستقبل».

وقد تكون هذه خطوة إلى الأمام للمؤسسات المالية الراغبة في تداول الأصول المشفرة. رغم ذلك فمن الصعب رؤية قيمتها المضافة كتكنولوجيا مدفوعات في العالم الحقيقي.

لكن قد يكون من المفيد لشركة إدارة أصول أو مكتب تداول مهتم بعالم الأصول المشفرة أن تكون هناك عملة وسيطة بين عالم البنوك التقليدي، وعالم تداول العملات المشفرة، تدفع فوائد، وتعامل كوديعة بنكية في الحسابات.

وهناك أيضاً حقيقة أن رموز الإيداع الرقمي ستكون مدعومة بالبنية التحتية للبنوك، وبالتالي ستخضع لمعايير ومتطلبات اعرف عميلك ومكافحة غسل الأموال.

لكن بالنسبة لبعض متداولي العملات المشفرة فإن هذا يعد عيباً خطيراً، لكن يمكنهم دائماً التمسك باستخدام العملات المستقرة غير البنكية. رغم ذلك فإن احتمالية تمتعها بتأمين على الودائع، وهو الذي يقتصر على الودائع التي تبلغ 250 ألف دولار أو أقل.

وذلك سيكون ذا فائدة هامشية بالنسبة للمؤسسات، لكن ما الذي يقدمه ذلك المنتج الجديد للعالم الخارجي خارج عالم العملات المشفرة؟ في الواقع التسوية العابرة للحدود على مدار الساعة هو ما يتم الترويج له، وهناك بالفعل مشكلة غبر الحدود تحتاج إلى حل.

وفي سلاسل التوريد العالمية يصعب تحويل السلع والأموال بين مختلف الأطراف في الوقت نفسه، ما يخلق مخاطر، وتأخيراً، وتكاليف، لكن كما يشير ستيفن كيلي من برنامج الاستقرار المالي في جامعة «ييل»: «عندما تزعم العملات المستقرة أنها حل لهذا الأمر فإن المشكلة هي أن مدفوعات سلسلة التوريد الآن ومستقبلاً ستتطلب أموالاً بنكية».

وعندما يكون لدى أحد البنوك رمز إيداع رقمي فإن ذلك يحل المشكلة جزئياً، فقط إن كان طرفا المعاملة عميلين لدى البنك نفسه، لكن إن كان أحد الأطراف في «جيه بي مورجان» والآخر في «سيتي بنك» مثلاً فسنعود إلى نقطة البداية.

وقد سألت «جيه بي مورجان» عن هذا الأمر، وأجابوا بأن «جيه بي إم دي» سيتوفر في البداية لعملاء مصرف جيه بي مورجان من المؤسسات، مع خطط لدعم التحويلات بين هؤلاء العملاء.

وفي النهاية ستتوفر الخدمة للعملاء المؤهلين لدى هؤلاء العملاء. وقد أتاحت «جيه بي إم كوين» التسوية في العالم الحقيقي بين اثنين من عملاء «جيه بي مورجان» على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وكان الأمر ممكناً في أغلبية الحالات من خلال الحسابات المصرفية العادية.

وتعد مشكلة تسهيل المدفوعات الفورية العالمية بين البنوك المختلفة أحد اعتراضات بنك التسويات الدولية على العملات المستقرة في تقريره الاقتصادي السنوي.

وذهب المصرف إلى أن الأموال الحقيقية يمكن أن تصدرها مختلف البنوك، ويقبلها الجميع دون تردد، وذلك لأنه تتم تسويتها بالقيمة الاسمية مقابل أصل آمن مشترك (احتياطات البنك المركزي) يقدمه البنك المركزي.

ولا تتمتع رموز الإيداع الرقمي بهذه الخاصية حالياً، ومن الصعب معرفة كيف يمكن لهذا الأمر أن يتغير، وقد تكون رموز الإيداع مداخل مفيدة كبوابات للمؤسسات الراغبة في تبادل العملات المشفرة، لكن كتقنية للمدفوعات في العالم الحقيقي، فإنها تظل، مثل العملات المستقرة، حلاً يبحث عن مشكلة.