مايكل ستوت

يلوّح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة تُهدد الاقتصاد المكسيكي، فتدخل المكسيك في مفاوضات تنتهي بتوصل الطرفين إلى اتفاق. النتيجة؟ الأمور تسير كالمعتاد مع إعلان الجانبين تحقيق مكاسب.

مر علينا هذا المشهد خلال ولاية ترامب الأولى، حين استبدلت الولايات المتحدة اتفاقية نافتا باتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، والتي وصفها ترامب بأنها «أفضل اتفاقية أبرمناها على الإطلاق».

والآن، يراهن المتفائلون على أن الإدارة الثانية لدونالد ترامب ستعيد تكرار تجربتها السابقة، بينما لم يلقوا بالاً لتهديده مؤخراً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات المكسيكية في أول يوم له في منصبه. وهذه الثقة انعكست على المستثمرين الذين تبنوا التوقعات الإيجابية؛ إذ على الرغم من اهتزاز البيزو المكسيكي عقب هذا التهديد، فقد استعاد عافيته بعد ثلاثة أيام فقط.

وقال إرنستو رفيلا، كبير اقتصاديي أمريكا اللاتينية في سيتي بنك: «من الواضح أن الأسواق المالية لديها حالياً قدرة كبيرة على تجاهل الأخبار السلبية المرتبطة بالمكسيك». ومع ذلك، قد تكون الأمور هذه المرة مختلفة، فالأسباب الكامنة وراء فرض الرسوم الجمركية هذه المرة تختلف عن عام 2018، عندما كانت شكوى ترامب الأساسية هي أن «نافتا» تضر بمصالح العمال الأمريكيين. ومؤخراً، صرّح ترامب بأن التعريفة الجديدة ستظل سارية «حتى يتوقف تدفق المخدرات، وخاصة الفنتانيل، والمهاجرين غير الشرعيين الذين يغزون الولايات المتحدة».

وقد سجل التعاون بين الولايات المتحدة والمكسيك هذا العام نجاحاً في تقليص تدفقات الهجرة غير الشرعية التي وصلت إلى مستويات قياسية خلال إدارة بايدن، إلا أن الأرقام تبقى مرتفعة. في المقابل، انخفضت الوفيات الناتجة عن الفنتانيل، وهو أفيون اصطناعي يُهرب غالباً من المكسيك، لكن ذلك كان بشكل طفيف لذلك تبقى مقلقة بشكل كبير.

وعلى الصعيد السياسي، يبدو أن دونالد ترامب أكثر حدة وتصميماً في نهجه هذه المرة، بينما ألمحت كندا إلى استعدادها للتخلي عن المكسيك إذا لزم الأمر، وذلك وفق ما صرح به جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، حيث قال: «إن الحفاظ على أركان السوق الثلاثية في أمريكا الشمالية هو الخيار الأمثل»، لكنه لم يستبعد اللجوء إلى «خيارات بديلة في ضوء كما تقرره المكسيك».

وفي المكسيك نفسها، تولت رئاسة البلاد كلوديا شينباوم، الأكاديمية والناشطة السياسية، المعروفة بحزمها وصرامتها في التعامل مع التحديات، وذلك خلفاً لأندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي كان يُعرف بحنكته السياسية وشخصيته الكاريزمية وكان ترامب وصفه بأنه «رجل رائع».

لقد اختارت شينباوم في البداية الصمت كرد فعل على هجوم ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تقرأ رسالة علنية وجهتها إليه في اليوم التالي، تضمنت تلميحات برد انتقامي وانتقادات للإنفاق الدفاعي الأمريكي وتصدير الأسلحة غير القانونية، غير أن هذه الخطوة لم تظهر كنهج استراتيجي ناجح.

فيما بعد، أجرت شينباوم مكالمة هاتفية مع ترامب وصفها الرئيس المنتخب بأنها «محادثة رائعة»، لكن التوترات سرعان ما ظهرت بشأن ما تعهدت به المكسيك. وخرج ترامب قائلاً إن شينباوم «وافقت على وقف الهجرة عبر المكسيك وإغلاق حدودنا الجنوبية»، لكن شينباوم ردت قائلة: «نكرر أن سياسة المكسيك ليست إغلاق الحدود».

وتجد المكسيك نفسها الآن في موقف اقتصادي أكثر ضعفاً أمام الرسوم الأمريكية، مع توقعات نمو اقتصادي بنسبة 1.4% فقط هذا العام وديون أعلى من مستويات 2018، نتيجة سياسات حكومية ركزت على مشاريع رفاهية مكلفة وبنية تحتية غير مجدية، ما أدى إلى تراجع الاستثمار الأجنبي.

تبنى الرئيس المكسيكي السابق لوبيز أوبرادور سياسة «العناق بدلاً من الرصاص» للتعامل مع عصابات المخدرات، ما أدى إلى زيادة صادرات الفنتانيل والكوكايين، وتصاعد أعمال العنف المرتبطة بالمخدرات، فضلاً عن إحكام العصابات سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي المكسيكية. بينما في ظل قيادتها الجديدة، خفضت شينباوم وحركة «مورينا» اليسارية ميزانية الأمن بنسبة تتجاوز الثلث، واتبعت أجندة قوية لتغيير مؤسسات الدولة. شملت هذه الأجندة إلغاء الهيئات التنظيمية المستقلة للأعمال، وطرح قوانين جديدة لانتخاب القضاة عبر التصويت الشعبي، وهي تحركات يرى كثيرون أنها تتناقض مع الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

وقال أرتورو ساروكان، السفير السابق للمكسيك والمستشار الحالي في واشنطن: «لا يبدو أن شينباوم تفهم ديناميكيات الموقف، ففي خطتها الأمنية للأيام الـ100 الأولى، لم تذكر أي مبادرات لاستئناف التعاون أو تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة».

وقال إريك فارنسورث، نائب رئيس «مجلس الأمريكتين»، إن المستثمرين الذين يعتبرون تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك مجرد خطوة تفاوضية. ويجب هنا أن يتذكروا تعهده خلال ولايته الأولى بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. وأكد: «ترامب نفذ وعده دون أي مفاوضات». وأضاف: «التهديد الحالي ضد المكسيك يثير ذكريات مشابهة لذلك القرار».

ورغم احتمالية توصل شينباوم إلى اتفاق مع ترامب، فإن احتمالات فقدان المكسيك حق الوصول المعفى من الرسوم الجمركية إلى أسواق أمريكا الشمالية باتت تزداد بشكل واضح. وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن الصين ستكون في وضع يسمح لها بالتحرك سريعاً. وقال فارنسورث: «الصين في عهد شي جين بينغ تسعى بجدية لتعزيز علاقاتها مع المكسيك».