ويل شميت ــ فالنتينا رومي ــ إيان سميث
يتجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على الأرجح إلى تثبيت أسعار الفائدة خلال اجتماعه اليوم وغداً، متجاهلاً الضغوط التي يمارسها الرئيس دونالد ترامب للدفع نحو خفضها، في وقت يوجّه فيه المستثمرون أنظارهم إلى التصريحات المنتظرة لرئيس المجلس، جيروم باول، بشأن أداء الاقتصاد الأمريكي وآفاقه المستقبلية.
ومن المقرر أن يعقد الفيدرالي اجتماعه وسط ترجيحات قوية بتثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية البالغة 4.25 إلى 4.5%، وتكاد تنعدم احتمالات الخفض في الأسواق المالية. وتتجه التوقعات بدلاً من ذلك إلى سبتمبر المقبل كأقرب موعد محتمل لاستئناف دورة التيسير النقدي، مع ترجيحات بخفضين فقط قبل نهاية العام الجاري.
ويراهن المستثمرون على أن جيروم باول لن يرضخ لضغوط الرئيس دونالد ترامب، الذي جدد، الخميس الماضي، دعوته لخفض الفائدة بنقطة مئوية كاملة، موجهاً انتقادات حادة لرئيس الفيدرالي، واصفاً إياه بـ«الأحمق»، وملوحاً بأنه «قد يضطر لفرض شيء ما».
ويرى جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين في مؤسسة إي واي-بارثينون، أن باول سيتبنى «نبرة الصبر الحذر» خلال المؤتمر الصحفي الذي يعقب الاجتماع، متوقعاً أن «يتجنب تقديم إشارات توجيهية مستقبلية، وسيركز بدلاً من ذلك على حالة عدم اليقين الكبيرة التي تواجه الأسر والشركات».
وتأتي تطورات السياسة النقدية في ظل بيانات تضخم أمريكية أقل من المتوقع، إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 2.4% في مايو، مقابل توقعات بزيادة قدرها 2.5%، فيما استقر التضخم الأساسي - الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة - عند 2.8%، مخالفاً التنبؤات بارتفاع طفيف.
وفي سياق متصل، رفع بنك جولدمان ساكس الاستثماري، الذي لا يتوقع خفضاً للفائدة قبل ديسمبر المقبل، تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لهذا العام من 1% إلى 1.25%. وكتب ديفيد ميريكل، المحلل في البنك: إن المؤشرات القادمة من بيانات التضخم ومؤشرات عدم اليقين في السياسة التجارية تشير إلى تأثير أقل نسبياً للتعريفات الجمركية على الاقتصاد.
كما خفض البنك احتمالية دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود خلال الـ12 شهراً المقبلة إلى 30%، بعد أن كانت 35%، وذلك «في ضوء الارتفاع الطفيف في خط الأساس، وغياب أي علامات على ظهور مخاطر كبرى حتى الآن»، بحسب ديفيد ميريكل.
كذلك يترقب المستثمرون محاضر اجتماع بنك إنجلترا والبيان المصاحب للقرار المرتقب الخميس المقبل، بحثاً عن مؤشرات توضح رؤية صانعي السياسة النقدية للبيانات الاقتصادية الضعيفة مؤخراً وارتفاع أسعار النفط، في وقت تتضاءل فيه التوقعات بخفض الفائدة في اجتماع الأسبوع المقبل.
وتشير تقديرات الأسواق المالية إلى استمرار البنك المركزي البريطاني في النهج الذي رسمه منذ الصيف الماضي والقائم على التناوب بين الخفض والتثبيت، حيث لا تتجاوز احتمالية خفض ربع نقطة مئوية لتصل الفائدة إلى 4% حاجز الـ10% في توقعات المتداولين.
وشهدت الفترة التالية لاجتماع مايو تدهوراً ملحوظاً في المؤشرات الاقتصادية، إذ سجل الاقتصاد البريطاني أعمق انكماش منذ عام 2023 في شهر أبريل، وتباطأت وتيرة نمو الأجور خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في الشهر ذاته. وطرأ ارتفاع طفيف على معدلات البطالة، بينما تشير استطلاعات قطاع الأعمال، بما فيها مؤشرات مديري المشتريات وتوقعات صناع القرار في بنك إنجلترا، إلى تراجع ملموس في الضغوط التضخمية.
وبلغ معدل التضخم 3.5% في أبريل، متجاوزاً التوقعات، غير أن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أعلن لاحقاً عن وجود خطأ أدى إلى المبالغة في تقدير وتيرة ارتفاع الأسعار بواقع 0.1 نقطة مئوية. ومن المقرر نشر بيانات التضخم الجديدة لشهر مايو غداً الأربعاء، ليكون المعدل 3.4%.
ورغم ترجيح إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير، يرى إدوارد ألينبي، الاقتصادي في مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس، أن أي إشارة إلى تزايد القناعة بظهور تراخٍ في الاقتصاد ستمثل «مؤشراً ضمنياً على أن خفض الفائدة في أغسطس يشكل السيناريو الأساسي لغالبية أعضاء اللجنة».
وتلقي الطفرة الأخيرة في أسعار النفط العالمية، المصاحبة لشن إسرائيل غارات جوية ضد إيران، بظلالها على آفاق التضخم، ومن المرجح أن تتعمق الانقسامات التي ظهرت خلال الاجتماع الأخير بين أعضاء لجنة السياسة النقدية، وفقاً لتقديرات المحللين.
وبالنسبة لاجتماع يونيو الجاري، يتوقع العديد من الاقتصاديين تصويت سبعة أعضاء من لجنة السياسة النقدية لصالح الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، بينما يُرجح أن يؤيد عضوا اللجنة سواتي دينجرا وآلان تايلور خفض الفائدة، في ظل استمرار ضعف الطلب المحلي والضغوط الناجمة عن ارتفاع التعريفات الجمركية الأمريكية.
على صعيد آخر، يتعامل المتداولون في الأسواق المالية مع خفض البنك الوطني السويسري لسعر الفائدة الرئيسي من 0.25% إلى مستوى الصفر على الأقل يوم الخميس كأمر مفروغ منه، ليتحول التركيز بدلاً من ذلك إلى احتمالية اتخاذ البنك خطوة جريئة بخفض كبير قدره نصف نقطة مئوية، ما يدفع بالفائدة إلى المنطقة السالبة للمرة الأولى منذ عام 2022. وتشير رهانات المتداولين في سوق المبادلات إلى احتمالية قدرها 30% تقريباً لحدوث ذلك.
وتتزايد أهمية هذا القرار في ظل تحول التضخم السويسري إلى النطاق السالب في مايو للمرة الأولى منذ 4 سنوات، بينما أججت الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ارتفاع قيمة الفرنك السويسري، الذي يُعد ملاذاً آمناً في أوقات التوتر، مما يضغط بشكل إضافي على أسعار المستهلكين.
ويرجح المحللون أن يميل البنك المركزي لاستخدام خفض أسعار الفائدة بدلاً من التدخلات في أسواق العملات التي قد تثير غضب ترامب وتجعل إبرام اتفاق تجاري أكثر صعوبة، غير أن احتمال العودة إلى أسعار الفائدة السالبة، بعد التجربة السابقة التي استمرت 8 سنوات، لا تحظى أيضاً بشعبية بين صانعي السياسة النقدية.
وتتوقع مؤسسة كابيتال إيكونوميكس خفضاً للفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، مستندة في ذلك إلى ضعف الضغوط التضخمية الأساسية، وارتفاع قيمة العملة السويسرية، وإمكانية أن تؤدي التعريفات الجمركية واتفاق تجاري محتمل إلى الضغط على مستويات الطلب.
وقال أدريان بريتيجون، خبير الاقتصاد الأوروبي في مؤسسة الأبحاث: «تماماً كما كان البنك الوطني السويسري قلقاً بشأن تأثيرات الجولة الثانية خلال فترة التضخم المرتفع الأخيرة، نعتقد أن صانعي السياسة سيكونون قلقين من مخاطر ترسخ الانكماش في الاقتصاد».
