جون كيري - وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، ويقود حالياً مبادرات المحيطات والمناخ بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
تواجه المحيطات العالمية، التي تغذي مليارات البشر وتدعم المجتمعات الساحلية وتسهم في تنظيم المناخ، أزمة متفاقمة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، فكل يوم يتم إلقاء كميات من البلاستيك تعادل حمولة نحو 2000 شاحنة نفايات في المحيطات والأنهار والبحيرات، كما يعاني ثلث المخزون السمكي من الاستغلال المفرط، وتواجه ما لا يقل عن 70% من الشعاب المرجانية تهديدات خطيرة، لذلك يتوقع اندثار أكثر من 90% منها بحلول عام 2050.
ووفقاً لمعهد الحفاظ على البيئة البحرية فإن أقل من 3% من المحيطات تخضع لحماية فعالة وشديدة، ورغم كل ذلك فإنه مع كل تهديد هناك فرصة، وأمام المجتمع الدولي الآن فرصة لاتخاذ خطوات فعلية خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات، الذي تستضيفه مدينة نيس الفرنسية.
ويمكن لمؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات أن يدفع نحو العمل بقوة تتناسب مع اللحظة الراهنة، كما يمكن أن يقود المؤتمر التقدم على طريق حماية البيئة البحرية، ومواجهة التلوث البلاستيكي، والصيد غير القانوني، ودعم الاقتصاد الأزرق، وبإمكان ذلك أن يوفر طمأنة بالغة الأهمية للعالم بأن الهيكل متعدد الأطراف، الذي بني بعد الحرب العالمية الثانية لا يزال فعالاً اليوم، ليس من خلال استحضار الحنين إلى الماضي، بل بحشد التزامات ملموسة لإثبات أننا عندما نتحد يمكننا تحقيق النتائج المرغوبة.
ويأتي مؤتمر نيس في لحظة مهمة من التحولات الجيوسياسية، التي تحوي في ثناياها اضطرابات تواجه الديمقراطيات، وتشتد فيها الحاجة إلى قيادة جديدة لملء فراغ هائل، فقد تراجعت الولايات المتحدة عن دورها التقليدي بإلغائها تدابير الحماية والسماح بالصيد التجاري في «نصب وطنية بحرية»، بما في ذلك النصب البحرية الوطنية الشمالية الشرقية للوديان والجبال قبالة نيو إنجلاند، والمناطق المحمية لجزر المحيط الهادئ النائية، ما يهدد الشعاب المرجانية والأنواع المهددة بالانقراض والأنظمة البيئية في أعماق البحار.
وهناك دول أخرى يمكنها أن تغتنم فرصة القيادة في هذه اللحظة الحرجة. وتتمتع فرنسا بأكبر منطقة اقتصادية خالصة على مستوى العالم، ويقصد بذلك حقوق دولة ما في الموارد الموجودة على مسافة تمتد لـ 200 ميل بحري قبالة سواحلها، كما أنها رائدة أوروبية في تغطية المناطق البحرية المحمية.
ويمكن لفرنسا أن تكون قدوة، وتقدم نموذجاً يحتذى من خلال حظر الممارسات المدمرة في المناطق البحرية المحمية لديها، ويشمل ذلك صيد السمك في الأعماق، حيث يتم سحب الشباك ذات الأوزان الثقيلة بطول قاع البحر، ما يدمر الموائل البحرية، ويطلق كميات مهولة من الكربون المخزن، وهو ما يسرع عملية التغير المناخي.
وتوجد لدى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فرصة لاستعراض الدور الفرنسي ووضعه في صدارة جهود الحفاظ على البيئة البحرية عبر إقرار إصلاحات سياسية، خاصة حظر صيد الأسماك في قاع البحار بالمناطق المحمية.
وستمنح هذه الإجراءات مصداقية للقيادة الدولية، والتعهد بحماية 30% من اليابسة والبحار بحلول عام 2030 (وهو المعروف بهدف 30 في 30)، الذي تم التعهد به في مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في عام 2022، كما يوفر مؤتمر نيس أيضا منبرا لدفع عدد من المبادرات، التي يحتمل أن تكون تحولية نحو خط النهاية.
أولاً: نحن على وشك الانتهاء من معاهدة عالمية تاريخية بشأن التلوث البلاستيكي- قواعد ملزمة قانوناً لمعالجة المشكلة، من مرحلة الإنتاج إلى التخلص، والتي يمكن أن توقف أخيراً المد السام، الذي لا يقتل الحياة البحرية فحسب، بل يلوث سلسلتنا الغذائية.
ثانياً: يمكننا إنهاء الممارسات الاقتصادية غير المنطقية للدعم المضر، الذي يؤدي إلى الإفراط في صيد السمك والصيد غير المستدام. وفي عام 2022 اتخذت منظمة التجارة العالمية خطوة تاريخية بموافقتها على حظر الدعم، الذي يعزز الصيد غير القانوني وغير المنظم، وفي ضوء الحاجة إلى 24 دولة إضافية للتصديق على هذه الاتفاقية يمكن أن يكون عام 2025 هو العام الذي سنتمكن فيه من التوقف عن دفع الأموال لتفريغ محيطاتنا.
ثالثاً: يجب علينا حماية أعالي البحار، ويُقصد بذلك ثلثا محيطاتنا، التي توجد على مسافة بعيدة عن نطاق أي دولة. وتُعد هذه المياه الدولية غنية بالتنوع البيولوجي، وتلعب دوراً محورياً في التوازن البيئي لكوكب الأرض.
ويمكن لفرنسا وكوستاريكا وهما اللتان تستضيفان مؤتمر الأمم المتحدة أن تكونا داعيتين إلى هذا، ولن تتحقق معاهدة الأمم المتحدة الرائدة لأعالي البحار، الموقعة في عام 2023، إلا بتصديق 60 دولة عليها، ودخولها حيز التنفيذ، ما سيتيح إنشاء مناطق محمية لمواطن التنوع البيولوجي ومسارات الهجرة.
ورابعاً: علينا تسريع التقدم في تنفيذ تحدي الشحن الأخضر، الذي انطلق في مؤتمر الأمم المتحدة المناخي «كوب 27»، ودعا الدول والموانئ والشركات إلى اتخاذ تدابير تتماشى مع الحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وفي أبريل وافقت المنظمة البحرية الدولية على إطار عمل صافي الانبعاثات الصفري، وهو المنهج التنظيمي الذي يضع الصناعات على مسار يصل إلى تحقيق ذلك التحدي. ويجب على دول مثل فرنسا ضمان أن تكون صناعاتها رائدة، وألا تكتفي فقط بتلبية طموحات أطر العمل، وإنما تتخطاها، إذا أردنا فقط خفض الانبعاثات بسرعة من أجل محيطاتنا.
إن الإجراءات الجريئة والحاسمة هي التي ستبني مستقبلاً تزدهر فيه المجتمعات النابضة بالحياة جنباً إلى جنب مع البحار المليئة بالحياة، وستسمح لنا بالابتعاد عن مسارنا الحالي، الذي يتميز باستنفاد مصايد الأسماك، والمياه الملوثة، والانهيار البيئي والاقتصادي، وقد تكون نيس هي المكان الذي سيمكننا جميعاً من تغيير دفة الأمور، وأن تتلقف أقدم حليفة للولايات المتحدة العباءة التي ما كان ينبغي لنا أن نتنازل عنها أبداً.
