لكل واحد منا نظرته الخاصة للثقافات، يستلهم منها ما يتناسب مع مقاس أفكاره ونظرته إليها، فبعضنا يميل ناحية الموسيقى، وبعضنا الآخر تميل كفته نحو الفنون على اختلاف مدارسها، بينما يظل هناك من يبحث في أروقة الثقافات عما يشبع شغفه، وكذلك هي مصممة الأزياء نور حويطات، التي وجدت شغفها في الأزياء وتصاميمها، لتجمع ثقافات الدنيا على رقعة قماش، وتزين بها أطراف العباءة الإماراتية، لتظهر بتصميم مختلف، وتبدو أشبه بجسر بين الثقافات سواء كان لسانها ينطق بالعربية أو بلغات أخرى.
ورغم احترافها التصميم، إلا أن نور حويطات لم تدرسه، فقد آثرت أن تسير في دروب العلاقات الدولية، التي اتخذت منها مساراً لدراستها الجامعية، وعنواناً لمهنتها الرسمية، ليأت تصميم الأزياء بمثابة ترجمة لنظرتها الخاصة تجاه الثقافات الأخرى، وهي التي تعتبر أن لكل ثقافة نكهتها الخاصة ومزيجها المختلف، وألوانها وأزيائها، وهو ما سعت نور لاكتشافه من خلال الأزياء، وهي التي لا تكف عن البحث بين ثنايا الثقافات عن رموز فريدة ومتأصلة فيها، لتتحول على يد نور حويطات وفي «لحظة تجلي» إلى قطعة فنية، تستلهم منها تصميماً خاصاً تجمع فيه بين ثقافتين مختلفتين.
بداية نور حويطات في هذا الطريق كانت من رواندا، ذلك البلد الذي سكن الذاكرة الإنسانية، واستطاع أن ينهض قوياً من تحت الركام، وأن يتحول إلى قوة فاعلة، فمنه اختارت نور رمزاً فنياً يدعى «ايني غانغو»، لتزين به أحد تصاميمها التي تتخذ من العباءة والبشت والثوب قاعدة لها.
بحسب تعبير نور حويطات فإن الفكرة لديها نبعت من محاولتها «جمع الثقافات مع بعضها البعض، وخلق جسور بينها»، وتقول: «استلهام هذه الفكرة جاءت بعد أن تلمست الوجود الكثيف لمختلف جنسيات العالم على أرض الإمارات، وبدايتي كانت من تلك العباءة، التي زينتها بقطعة من العمل الفني الرواندي «إيني غانغو»، والتي بدت في عيون الجميع قطعة فريدة، وهو ما شجعني على الاستفادة من الفن الطبيعي والإرث الذي تمتلكه الثقافات، وإدخاله على العباءة أو البشت أو الثوب، والتي يمكن لأي امرأة بغض النظر عن جنسيتها أو هويتها الثقافية، أن ترتديها لشعورها بوجود لمسة معينة في العباءة».
في تصاميمها تعمد نور إلى اختيار مواضع محددة في العباءة، لتضع عليها لمستها الفنية الخاصة، وتقول: «في تصاميمي عادة أركز على مواضع العين، والأكثر جاذبية، والتي يمكنها أن تحدث فرقاً في شكل التصميم، مثل أطراف الأكمام والأكتاف ومنطقة الوسط، ومنطقة الظهر، وهي مناطق يمكن أن يتم إبراز القطعة الفنية المدخلة على العباءة أو الثوب».
وأضافت: «بتقديري أن هذه الطريقة يمكن أن تحدث تلاقياً بين الثقافة الإماراتية والعربية ونظيرتها الأجنبية، ويمنح أي قطعة منظراً فريداً من نوعه»، وتشير إلى أن إدخال أي عنصر ينتمي إلى إرث ثقافة معينة ضمن تصاميم تنتمي إلى ثقافة ثانية، من شأن أن يوطد العلاقات، ويزيد من المحبة والتواصل بين الثقافات.
في معرض إكسبو 2020 دبي الذي توجد نور في زواياه بشكل شبه يومي، بحكم علاقاتها ومهنتها، لم تكف عن الدوران بين الأجنحة لاكتشاف تفاصيل جديدة عن ثقافات لم تختبرها من قبل، حيث تعودت، وهي الفائزة بجائزة أفضل مصممة في «إنترناشيونال فاشن وييك»، الذي أقيم أخيراً في دبي، أن تقلب عينيها بين مجموعة الأعمال الفنية والرموز الثقافية التي تعرضها الدول، سعياً منها لاستلهام تصميم خاص يجمع بين طرفي الثقافة العربية والإماراتية مع نظيرتها الأجنبية.
جولات نور بين أروقة الحدث الأروع عالمياً فتحت عيونها على تفاصيل جديدة تتعلق بالثقافات، وتقول: «جمالية معرض إكسبو 2020 دبي، في كونه مكان يجمع كافة دول العالم في بقعة صغيرة، وفيه تسعى كل دولة إلى تقديم وعرض أجمل ما لديها من إرث ثقافي وما تمتلكه من فرص وأبعاد اقتصادية، وبالنسبة لي فقد ساعدني المعرض في توسيع دائرة علاقاتي، وفتح عيني على تفاصيل جديدة تمتلكها الثقافات المختلفة، سواء من ناحية الزي الوطني أو المشهد الثقافي والفني فيها، وقد أسهم ذلك في إلهامي تشكيلات وتصاميم جديدة نابعة من هذا التنوع الإنساني على أرض دبي».
