هو سيد الإيقاع، والموسيقيّ الذي انتصر على الصمت، إنه لودفيج فان بيتهوفن، الذي أغمض عينيه إلى الأبد منذ 194 عاماً، وهو الذي أثرى الموسيقى الكلاسيكية بأعماله، التي جعلت منه أعظم موسيقي على الأرض.
عرفناه في مقطوعته الخامسة، آنذاك خدع ببدايتها الجميع ليذهلهم تالياً بما تحمله من أفق وإيقاع وروعة، بينما في مقطوعته التاسعة علمنا درساً عميقاً، بعد أن حملها رسالة مفادها أن «كل البشر سيصبحون إخوة»، في هاتين السمفونيتين كانت بصمة بيتهوفن جلية، ولا تزال حيه في ذاكرتنا الإنسانية.
شهادة ميلاد
وها هو بيتهوفن يعود إلى الضوء من جديد، عبر سيمفونيته العاشرة، تلك التي تركها ناقصة، حيث لم يسعفه القدر آنذاك لأن يكمل حركات سلمها الموسيقي، هذه السمفونية، التي حلقت في فضاء «إكسبو 2020 دبي»، ليلبي «الذكاء الاصطناعي» طموحات عشاق الموسيقى وبتهوفن، الذين طالما تمنوا الاستماع إليها كاملة، معلناً عبر «إكسبو 2020 دبي» عن صدور شهادة ميلاد جديدة للسمفونية العاشرة، التي أطلت بكل أناقتها على الملأ، أول من أمس، من دار أوبرا إلبه (Elbphilharmonie) في هامبورغ، وبثت مباشرة بين جنبات مختبر الثقافة في جناح ألمانيا، حيث كان الجمهور على موعد مع السمفونية، التي أعادت بيتهوفن إلى الحياة مرة أخرى.
إيقاع
ما يميز موسيقى بيتهوفن أنها ذات توجه إيقاعي قوي، فقد كان دائماً يفاجئ الأذان بإيقاعات غير متوقعة نهائياً، تجده فيها تارة يمد في جمله الموسيقية، وتارة يقصرها على نحو لم يسبق لأحد قبله أن قام به، لذا فقد كانت موسيقاه على الدوام محملة بالكثير من القلق والحيرة والعنف، والذي يعبر عنه في صعودها المفاجئ، لتشعر بأنها تنتمي إلى الموسيقى التصويرية الخاصة بأفلام الرعب، وهو ما انسحب تماماً على السمفونية العاشرة، التي ترك بيتهوفن عدداً قليلاً من نوتتها الموسيقية المكتوبة بخط اليد، والتي نجت من التلف، ليستند إليها مجموعة من علماء الموسيقى والملحنين وعلماء الكمبيوتر ايضاً في عملية تحليل كاملة لأسلوب بيتهوفن، وذلك ليتعلموه، ليتمكنوا جميعاً من استكمال «السمفونية العاشرة»، ليعكس ذلك التوجهات التي يمضي فيها «إكسبو 2020 دبي»، حيث إن الابتكار واحد من الأعمدة التي قام عليها.
تجربة
إنتاج السمفونية العاشرة باستخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، بدا أشبه بميلاد جديد لأعمال بيتهوفن الخالدة، حيث يمكن لهذه التجربة أن تسهم في إنتاج أعمال موسيقية لعظماء آخرين، سبق لهم أن ساروا على درب بيتهوفن، الذي كان ثالث اثنين وصفهم الشاعر الألماني بيتر كورنيليوس، بأنهم الأفضل في مجالهم (three Bs)، قاصداً بذلك أفضل الملحنين، الذين تبدأ أسماؤهم بحرف الباء، وهم: بيتهوفن وباخ وبرامس.
وأنت تستمع للسمفونية العاشرة لا بد أن يخطر في بالك، ماذا لو كان بيتهوفن حياً بيننا، وكيف سيرى هذه المقطوعة، التي أبهرت الجمهور وصفق لها طويلاً.
