يدخل مركز القهوة، التابع لمركز دبي للسلع المتعددة، عامه الثالث بخطى متسارعة ولكنها ثابتة وراسخة، نحو تعزيز مكانة دبي مركزاً عالمياً جديداً لتجارة وتداول القهوة، مستفيداً من الطلب على السلعة الأكثر تداولاً في العالم بعد النفط.
واستفاد المركز، الأول من نوعه في الشرق الأوسط والذي أسس في فبراير 2019 بمنطقة جبل علي، أيضاً من الإمكانات الكبيرة التي تملكها دبي، من بنية تحتية ذات مستوى عالمي، وموقع استراتيجي يسهل الوصول إليه مع الروابط الجوية والبحرية الواسعة.
فكرة التأسيس
وفي حديثه مع «البيان»، يسترجع أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة، تفاصيل تأسيس مركز القهوة قائلاً: «عندما تحدثت إلى مستشارين في شركة استشارات إدارية دولية حول الاستثمار في القهوة، نصحوني بعدم القيام بذلك، بل أوصوا بسلع أخرى مثل اللحوم والكاكاو، بناءً على خوارزمية نمو السوق»، ولكنه تمسك بحدسه.
وأضاف ابن سليم إنه لم يكن هناك ما يضمن نجاح استثمار دبي في القهوة، ولكن تم رصد الإمكانات الكامنة فيها، وبالعودة إلى عام 2016، شهدنا صعود القهوة المتخصصة وتناول القهوة منفردة المنشأ، والتقطير البارد، والبوليت بروف كوفي (مشروب يجمع بين القهوة والزيت والزبدة) في جميع أنحاء العالم.
وكان ابن سليم مقتنعاً عندما ساعد على إنشاء مركز للقهوة في منطقة جبل علي، بأن الطلب على هذه الجودة سيبلغ ذروته، ما يتيح للشركات الاستفادة من نمو السوق، مؤكداً أن دافعه النهائي كان وراءه أسباب ذاتية وقال: في منطقة الخليج، يوجد في كل منزل شخص أو اثنان يعتقدان أنهما خبيران في القهوة، وتخيل لو كان بإمكاني أن أضع قهوتنا في أيديهم وأن أجعلهم يتحدثون عن منتج من مركز القهوة الخاص بنا. وعملنا في صناعة النفط وسوق الماس وهما ليس شيئاً يرتبط به المجتمع المحلي، ولكنهم يمكن أن يرتبطوا بالقهوة.
ثقافة القهوة
ويصف ابن سليم ثقافة القهوة في دبي بأنها مزيج من التقاليد العربية وسلاسل القهوة الغربية والمقاهي المتخصصة المتطورة، مثل قهوة «تريس مارياس» في المنطقة الحرة بجبل علي و«كومون جراوندز» في برج الماس.
وفي هذا الشأن، قال ابن سليم: «يوجد في دبي مجتمع كبير للقهوة له حضوره فعلاً على خريطة العالم، نحن نعلم أن تلك السلعة تربط الثقافات وتجمع الناس معاً. وتتمثل الخطوة التالية لنجاحنا بالاستمرار في بناء العلاقات مع العملاء الذين يشاركوننا الرؤية لما يقوم به مركز دبي للسلع اليوم، وما سنقوم به في المستقبل».
وأضاف: «لم يتحقق نمونا في مركز دبي للسلع المتعددة بين عشية وضحاها، ولم نكن على رادار أي شخص في عام 2003، وقد نقلنا المركز إلى موقعه الحالي في أبراج بحيرات جميرا عام 2008 وواصلنا التوسع. وفي ذلك الوقت، تمت إعادة تصدير 60% من كميات الشاي في العالم عبر دبي، ومع معرفة أننا أكبر معيد لتصدير الشاي وأن 80% من البلدان التي تنتج الشاي تنتج القهوة أيضاً، سيكون عدم استكشاف القهوة كفرصة ضرباً من الجنون».
8000 طن
وجنى مركز القهوة ثمار ذلك، ففي الاثني عشر شهراً الماضية، تعامل المركز مع 8000 طن متري من البن الأخضر، وقام بتحميص نحو ثلاثة ملايين فنجان من القهوة، باستخدام بعض أكبر المحامص في هذا المجال للاستفادة من الفرص في الشرق الأوسط.
100 نوع
وتمكّن المركز من تجارة أكثر من 100 نوع من أنواع القهوة من مناطق الزراعة الرئيسة مثل أمريكا الوسطى والجنوبية، ولكن ابن سليم، يقر باهتمامه القوي بالبرازيل وفيتنام ورواندا وكينيا ومناطق البن المنتعشة في أنجولا.
وقال الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة، في هذا الشأن: «الطلب موجود على القهوة، ونعمل مع الشركات الناشئة والمحامص الكبيرة، ولكل منها احتياجات مختلفة، والمركز يخدم الجميع، وما ينتجه هو منتج عالي الجودة، وإن هناك فرصة كبيرة للوصول إلى أحد أفضل المرافق في العالم كبوابة للجمهور العالمي.. وأعتقد أن الشركات ستبدأ بمطاردتنا لتحميص حبوبها لأنها تريد ختم دبي».
وأضاف: «يركز المركز أعماله على السوق الدولية وتلبية احتياجاتها، إذا أرسلت لنا جنوب أفريقيا وأنجولا ودول أفريقية أخرى حبوبها الخضراء لتتم معالجتها وتحميصها ومزجها وتعبئتها وإعادة توزيعها من دبي، على سبيل المثال، ستكون التكلفة عليها أقل بكثير مقارنة بالقيام بذلك في الداخل، وهذا هو الواقع الآن. إنه أمر منطقي من الناحية التجارية. وإذا تغير ذلك في المستقبل وأصبح من الممكن إجراء مقارنة، فلا بأس، ولكن حالياً يمكننا تلبية حاجة العملاء».
وأشار إلى أن الأمر سيستغرق سنوات لفهم العديد من مناطق الإنتاج وأصناف البن، ولكن المركز مهتم دائماً باستكشاف المناشئ المختلفة.
وأضاف: «نريد فقط أن نظهر للصناعة القدرات والإمكانات التي تتمتع بها دبي، وهناك الكثير من الفرص التي نحتاج إلى الاستفادة منها. ودائماً نحن مستعدون ويمكن للعملاء اختبار نادي القهوة الخاص بنا، ليعرفوا أننا نمثل الجودة ومنتجاً يروي قصة».
فرصة أزمة جيدة
وأضاف: «في أبريل 2020، دخلت دبي حالة إغلاق بسبب جائحة كوفيد - 19 وكانت العديد من المكاتب والمصانع تعاني فائضاً في المعروض من القهوة الخضراء والمحمصة من دون أي وسيلة للتخزين».
وتابع: «لم يخطط أحد لحدوث الجائحة كانت العديد من الشركات عالقة مع إمدادات ضخمة من القهوة وكان لديها المزيد من خطوط القهوة المخصصة القادمة، ونتيجة لذلك، شهدنا زيادة في أعداد الشركات التي تستخدم مرافقنا، ولذلك فإن الأزمات في بعض الأحيان تجلب الفرص».
نقطة تحول
وقال أحمد بن سليم، إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى مركز القهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة في يونيو 2020، كانت نقطة تحول مهمة بالنسبة لمركز القهوة.
وأضاف: لم تكن هناك زيارة رسمية من قبل لمركز دبي للسلع المتعددة أو مجتمع أبراج بحيرات جميرا الذي يضم 100 ألف شخص، ولكن صاحب السمو ذهب مباشرة إلى مركز القهوة وأبدى إعجابه به. يتذكر ابن سليم أن «صاحب السمو أعجب بكفاءتنا واستخدامنا محامص برامباتي الهجينة التي تحمص ستة أطنان من البن الأخضر في الساعة. بعد زيارة سموه، كان من الواضح أن حكومة دبي والمنطقة الحرة بجبل علي تبذلان كل ما في وسعهما لإنجاحنا».
فرص وتحديات
وقال ابن سليم: «نستمع جيداً إلى سوق السلع ونتوقع الفرص المتاحة وعلى دراية كاملة بالتحديات الوشيكة التي تنتظر صناعة القهوة - تغير المناخ وأزمة الأسعار.. ولكن في العام الحالي، أعتقد أننا سنرى دمج القهوة والكاكاو في مزائج. أعتقد أننا سنبدأ رؤية المزيد من الطلب على معدات تعبئة المشروبات الباردة، وهو شيء نتطلع إليه، وسنرى أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر اندماجاً في الأعمال التجارية ما سيوفر المزيد من الفرص.. ولكن في النهاية، نحتاج فقط إلى صنع قهوة أفضل، فعندما نقوم بذلك، سيأتي الناس». وأضاف إن الأمر سيستغرق سنوات لفهم العديد من مناطق الإنتاج وأصناف البن، ولكنه يستمتع باستكشاف المناشئ المختلفة.
مضاعفة الإنتاج
وفي يوليو 2020، أعلن مركز دبي للسلع المتعددة عن خطط لتوسيع مركزه المتطور بهدف وضع دبي في قلب سلاسل توريد القهوة في العالم، وتهدف التوسعة إلى زيادة الخدمات، وتعزيز السعة، ومضاعفة الإنتاج ثلاث مرات مقارنة بالإنتاج المقرر من حبوب البن الأخضر بـ20 ألف طن.
وتقدم المنشأة التي تبلغ مساحتها 15 ألف متر مربع مجموعة من الخدمات المخصصة لتخزين وتحميص البن الأخضر، فضلاً عن التعبئة والتغليف والتسليم، يكمّلها مركز التدريب المجهز من «لا مارزوكو».
وقال أحمد بن سليم: «تعني هذه التوسعة أن المركز يمكنه توفير معدات لتلبية احتياجات الثقافة المحلية، بما في ذلك مزج القهوة والهيل، لتقديم مشروب عربي تقليدي، إلى جانب تلبية الطلب المتزايد على القهوة سريعة التحضير، والتي تجذب بشكل خاص الجاليات اليهودية في الإمارات في يوم السبت، إذ يمكن استخدام المياه المسخنة مسبقاً فقط».
